1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة آل عمران
  4. قوله تعالى الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار
صفحة جزء
المسألة الثالثة : قال الواحدي - رحمه الله - : القربان البر الذي يتقرب به إلى الله ، وأصله المصدر من قولك قرب قربانا ، كالكفران والرجحان والخسران ، ثم سمى به نفس المتقرب به ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لكعب بن عجرة : " يا كعب الصوم جنة والصلاة قربان " أي بها يتقرب إلى الله ويستشفع في الحاجة لديه .

واعلم أنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة فقال : ( قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى بين بهذه الدلائل أنهم يطلبون هذه المعجزة لا على سبيل الاسترشاد ، بل على سبيل التعنت ، وذلك لأن أسلاف هؤلاء اليهود طلبوا هذا المعجز من الأنبياء المتقدمين مثل زكريا وعيسى ويحيى عليهم السلام ، وهم أظهروا هذا المعجز ، ثم إن اليهود سعوا في قتل زكريا ويحيى ، ويزعمون أنهم قتلوا عيسى عليه السلام أيضا ، وذلك يدل على أن أولئك القوم إنما طلبوا هذا المعجز من أولئك الأنبياء على سبيل التعنت ، إذ لو لم يكن كذلك لما سعوا في قتلهم ، ثم إن المتأخرين راضون بأفعال أولئك المتقدمين ومصوبون لهم في كل ما فعلوه ، وهذا يقتضي كون هؤلاء في طلب هذا المعجز من محمد عليه الصلاة والسلام متعنتين ، وإذا ثبت أن طلبهم لهذا المعجز وقع على سبيل التعنت لا على سبيل الاسترشاد ، لم يجب في حكمة الله إسعافهم بذلك ، لا سيما وقد تقدمت المعجزات الكثيرة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا الجواب شاف عن هذه الشبهة .

[ ص: 100 ] المسألة الثانية : إنما قال : ( قد جاءكم رسل من قبلي ) ولم يقل جاءتكم رسل لأن فعل المؤنث يذكر إذا تقدمه .

المسألة الثالثة : المراد بقوله : ( وبالذي قلتم ) هو ما طلبوه منه ، وهو القربان الذي تأكله النار .

واعلم أنه تعالى لم يقل : قد جاءكم رسل من قبلي بالذي قلتم ، بل قال : ( قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ) والفائدة : أن القوم قالوا : إن الله تعالى وقف التصديق بالنبوة على ظهور القربان الذي تأكله النار ، فلو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم : إن الأنبياء المتقدمين أتوا بهذا القربان ، لم يلزم من هذا القدر وجوب الاعتراف بنبوتهم ، لاحتمال أن الإتيان بهذا القربان شرط للنبوة لا موجب لها ، والشرط هو الذي يلزم عند عدمه عدم المشروط ، لكن لا يلزم عند وجوده وجود المشروط ، فثبت أنه لو اكتفى بهذا القدر لما كان الإلزام واردا ، أما لما قال : ( قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ) كان الإلزام واردا ، لأنهم لما أتوا بالبينات فقد أتوا بالموجب للتصديق ، ولما أتوا بهذا القربان فقد أتوا بالشرط ، وعند الإتيان بهما كان الإقرار بالنبوة واجبا ، فثبت أنه لولا قوله : ( جاءكم بالبينات ) لم يكن الإلزام واردا على القوم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية