قوله تعالى : (
كل نفس ذائقة الموت ) .
اعلم أن المقصود من هذه الآية تأكيد تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام والمبالغة في إزالة الحزن من قلبه ، وذلك من وجهين :
أحدهما : أن
عاقبة الكل الموت ، وهذه الغموم والأحزان تذهب وتزول ولا يبقى شيء منها ، والحزن متى كان كذلك لم يلتفت العاقل إليه .
والثاني : أن بعد هذه الدار دار يتميز فيها المحسن عن المسيء ، ويتوفر على عمل كل واحد ما يليق به من الجزاء ، وكل واحد من هذين الوجهين في غاية القوة في إزالة الحزن والغم عن قلوب العقلاء ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : (
كل نفس ذائقة الموت ) سؤال : وهو أن الله تعالى يسمى بالنفس ، قال : (
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) وأيضا النفس والذات واحد فعلى هذا يدخل الجمادات تحت اسم النفس ، ويلزم على هذا عموم الموت في الجمادات ، وأيضا قال تعالى : (
فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) [ الزمر : 68 ] وذلك يقتضي أن لا يموت الداخلون في هذا الاستثناء ، وهذا العموم يقتضي موت الكل ، وأيضا يقتضي وقوع الموت لأهل الجنة ولأهل النار لأن كلهم نفوس .
وجوابه : أن المراد بالآية المكلفون الحاضرون في دار التكليف بدليل أنه تعالى قال بعد هذه الآية : (
فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) فإن هذا المعنى لا يتأتى إلا فيهم ، وأيضا العام بعد التخصيص يبقى حجة .
المسألة الثانية : " ذائقة " فاعلة من الذوق ، واسم الفاعل إذا أضيف إلى اسم وأريد به الماضي لم يجز فيه إلا الجر ، كقولك : زيد ضارب عمرو أمس ، فإن أردت به الحال والاستقبال جاز الجر والنصب ،
[ ص: 102 ] تقول : هو ضارب زيد غدا ، وضارب زيدا غدا ، قال تعالى : (
هل هن كاشفات ضره ) [ الزمر : 38 ] و " كاشفات ضره " قرئ بالوجهين لأنه للاستقبال . وروي عن
الحسن أنه قرأ " ذائقة الموت " بالتنوين ونصب " الموت " وهذا هو الأصل ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش " ذائقة الموت " بطرح التنوين مع النصب كقوله :
ولا ذاكر الله إلا قليلا
وتمام الكلام في هذه المسألة يأتي في سورة النساء عند قوله : (
ظالمي أنفسهم ) إن شاء الله تعالى .