(
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور )
قوله تعالى : (
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) .
اعلم أنه تعالى لما سلى الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (
كل نفس ذائقة الموت ) زاد في تسليته بهذه الآية ، فبين أن الكفار بعد أن آذوا الرسول والمسلمين يوم
أحد ، فسيؤذونهم أيضا في المستقبل بكل طريق يمكنهم ، من الإيذاء بالنفس والإيذاء بالمال ، والغرض من هذا الإعلام أن يوطنوا أنفسهم على
الصبر وترك الجزع ، وذلك لأن الإنسان إذا لم يعلم نزول البلاء عليه فإذا أنزل البلاء عليه شق ذلك عليه ، أما إذا كان عالما بأنه سينزل ، فإذا نزل لم يعظم وقعه عليه .
أما قوله : (
لتبلون في أموالكم وأنفسكم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الواحدي - رحمه الله - : اللام لام القسم ، والنون دخلت مؤكدة وضمت الواو لسكونها وسكون النون ، ولم تكسر لالتقاء الساكنين لأنها واو جمع فحركت بما كان يجب لما قبلها من الضم ، ومثله (
اشتروا الضلالة ) [ البقرة : 16 ] .
[ ص: 104 ] المسألة الثانية : ( لتبلون ) لتختبرن ، ومعلوم أنه لا يجوز في وصف الله تعالى الاختبار لأنه طلب المعرفة ليعرف الجيد من الرديء ، ولكن معناه في وصف الله تعالى أنه يعامل العبد معاملة المختبر .
المسألة الثالثة : اختلفوا في معنى هذا الابتلاء فقال بعضهم : المراد ما ينالهم من الشدة والفقر وما ينالهم من القتل والجرح والهزيمة من جهة الكفار ، ومن حيث ألزموا الصبر في الجهاد . وقال
الحسن : المراد به التكاليف الشديدة المتعلقة بالبدن والمال ، وهي الصلاة والزكاة والجهاد . قال القاضي : والظاهر يحتمل كل واحد من الأمرين فلا يمتنع حمله عليهما .