المسألة الثالثة : احتج
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي بهذه الآية على
توريث ذوي الأرحام قال : لأن العمات والخالات وأولاد البنات من الأقربين ، فوجب دخولهم تحت قوله : (
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) أقصى ما في الباب أن قدر ذلك النصيب غير مذكور في هذه الآية ، إلا أنا نثبت كونهم مستحقين لأصل النصيب بهذه الآية ، وأما المقدار فنستفيده من سائر الدلائل .
وأجاب أصحابنا عنه من وجهين :
أحدهما : أنه تعالى قال في آخر الآية : (
نصيبا مفروضا ) أي نصيبا مقدرا ، وبالإجماع
ليس لذوي الأرحام نصيب مقدر ، فثبت أنهم ليسوا داخلين في هذه الآية .
وثانيهما : أن هذه الآية مختصة بالأقربين ، فلم قلتم : إن ذوي الأرحام من الأقربين ؟ وتحقيقه أنه إما أن يكون المراد من الأقربين من كان أقرب من شيء آخر ، أو المراد منه من كان أقرب من جميع الأشياء ، والأول باطل ؛ لأنه يقتضي دخول أكثر الخلق فيه ؛ لأن كل إنسان له نسب مع غيره إما بوجه قريب أو بوجه بعيد ، وهو الانتساب إلى
آدم عليه السلام ، ولا بد وأن يكون هو أقرب إليه من ولده ، فيلزم دخول كل الخلق في هذا النص وهو باطل ، ولما بطل هذا الاحتمال وجب حمل النص على الاحتمال الثاني وهو أن يكون المراد من الأقربين من كان أقرب الناس إليه ، وما ذاك إلا الوالدان والأولاد ، فثبت أن هذا النص لا يدخل فيه ذوو الأرحام ، لا يقال : لو حملنا الأقربين على الوالدين لزم التكرار ، لأنا نقول : الأقرب جنس يندرج تحته نوعان : الوالد والولد ، فثبت أنه تعالى ذكر الوالد ، ثم ذكر الأقربين ، فيكون المعنى أنه ذكر النوع ، ثم ذكر الجنس فلم يلزم التكرار .
[ ص: 159 ] المسألة الرابعة : قوله : ( نصيبا ) في نصبه وجوه :
أحدها : أنه نصب على الاختصاص بمعنى : أعني نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا .
والثاني : يجوز أن ينتصب انتصاب المصدر ؛ لأن النصيب اسم في معنى المصدر كأنه قيل : قسما واجبا ، كقوله : (
فريضة من الله ) [ النساء : 11 ] أي قسمة مفروضة .
المسألة الخامسة : أصل الفرض الحز ، ولذلك سمي الحز الذي في سية القوس فرضا ، والحز الذي في القداح يسمى أيضا فرضا ، وهو علامة لها تميز بينها وبين غيرها ، والفرضة العلامة في مقسم الماء ، يعرف بها كل ذي حق حقه من الشرب ، فهذا هو أصل
الفرض في اللغة ، ثم إن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة خصصوا لفظ الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع ، واسم الوجوب بما عرف وجوبه بدليل مظنون ، قالوا : لأن الفرض عبارة عن الحز والقطع ، وأما الوجوب فإنه عبارة عن السقوط ، يقال : وجبت الشمس إذا سقطت ، ووجب الحائط إذا سقط ، وسمعت وجبة يعني سقطة قال الله تعالى : (
فإذا وجبت جنوبها ) [ الحج : 36 ] يعني سقطت ، فثبت أن الفرض عبارة عن الحز والقطع ، وأن الوجوب عبارة عن السقوط ، ولا شك أن تأثير الحز والقطع أقوى وأكمل من تأثير السقوط . فلهذا السبب خصص أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة لفظ الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع ، ولفظ الوجوب بما عرف وجوبه بدليل مظنون .
إذا عرفت هذا فنقول : هذا الذي قرروه يقضي عليهم بأن الآية ما تناولت ذوي الأرحام ؛ لأن توريث ذوي الأرحام ليس من باب ما عرف بدليل قاطع بإجماع الأمة ، فلم يكن توريثهم فرضا ، والآية إنما تناولت التوريث المفروض ، فلزم القطع بأن هذه الآية ما تناولت ذوي الأرحام ، والله أعلم .