المسألة الثانية عشرة : في
إطلاق لفظ " الحق " اعلم أن هذا اللفظ إن أطلق على ذات الشيء كان المراد كونه موجودا وجودا حقيقيا في نفسه والدليل عليه أن الحق مقابل للباطل والباطل هو المعدوم قال
لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فلما كان مقابل الحق هو المعدوم وجب أن يكون الحق هو الموجود ، وأما إن أطلق لفظ الحق على الاعتقاد كان المراد أن ذلك الاعتقاد صواب مطابق للشيء في نفسه ، وإنما سمي هذا الاعتقاد بالحق لأنه إذا كان صوابا مطابقا كان واجب التقرير والإبقاء وأما إن أطلق لفظ الحق على القول والخبر كان المراد أن ذلك الإخبار صدق مطابق ؛ لأنه إذا كان كذلك كان ذلك القول واجب التقرير والإبقاء إذا ثبت هذا فنقول : إن الله تعالى هو المستحق لاسم الحق ، أما بحسب ذاته فلأنه هو الموجود الذي يمتنع عدمه وزواله . وأما بحسب الاعتقاد فلأن اعتقاد وجوده ووجوبه هو الاعتقاد الصواب المطابق الذي لا يتغير من هذه الصفة ، وأما بحسب الأخبار والذكر فلأن هذا الخبر أحق الأخبار بكونه صدقا واجب التقرير ، فثبت أنه تعالى هو الحق بحسب جميع الاعتبارات والمفهومات والله الموفق الهادي .
القسم الثاني من هذا الباب
الأسماء الدالة على كيفية الوجود :
اعلم أن الكلام في هذا الباب يجب أن يكون مسبوقا بمقدمات عقلية .
المقدمة الأولى : اعلم أن كونه تعالى أزليا أبديا لا يوجب القول بوجود زمان لا آخر له ، وذلك لأنا نقول : كون الشيء دائم الوجود في ذاته إما أن يتوقف على حصوله في زمان أو لا يتوقف عليه ، فإن لم يتوقف عليه فهو المقصود ؛ لأن على هذا التقدير يكون تعالى أزليا أبديا من غير حاجة إلى القول بوجود زمان آخر ، وأما إن توقف عليه فنقول : ذلك الزمان إما أن يكون أزليا أو لا يكون ذلك الزمان أزليا فالتقدير هو أن كونه أزليا لا يتقرر إلا بسبب زمان آخر فحينئذ يلزم افتقار الزمان إلى زمان آخر فيلزم التسلسل ، وأما إن قلنا أن ذلك الزمان ليس أزليا فحينئذ قد كان الله أزليا موجودا قبل ذلك الزمان ، وذلك يدل على أن الدوام لا يفتقر إلى وجود زمان آخر ، وهو المطلوب ، فثبت أن
كونه تعالى أزليا لا يوجب الاعتراف بكون الزمان أزليا .
المقدمة الثانية : أن الشيء كلما كان أزليا كان باقيا ، لكن لا يلزم من كون الشيء باقيا كونه أزليا ، ولفظ " الباقي " ورد في القرآن قال الله تعالى : (
ويبقى وجه ربك ) [ الرحمن : 27 ] وأيضا قال تعالى : (
كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88 ] والذي لا يصير هالكا يكون باقيا لا محالة ، وأيضا قال تعالى : (
هو الأول والآخر ) [ الحديد : 3 ] فجعله أولا لكل ما سواه ، وما كان أولا لكل ما سواه امتنع أن يكون له أول ، إذ لو كان له أول لامتنع أن يكون أولا لأول نفسه ، ولو كان له آخر لامتنع كونه آخرا لأول نفسه ، فلما كان أولا لكل ما سواه
[ ص: 110 ] وكان آخرا لكل ما سواه امتنع أن يكون له أول وآخر ، فهذا اللفظ يدل على كونه تعالى أزليا لا أول له ، ولا آخر له .
المقدمة الثالثة :
لو كان صانع العالم محدثا لافتقر إلى صانع آخر ، ولزم التسلسل ، وهو محال فهو قديم ، وإذا ثبت أنه قديم وجب أن يمتنع زواله ؛ لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه .
إذا ثبتت هذه المقدمات فلنشرع في تفسير الأسماء :
الاسم الأول : القديم ، واعلم أن هذا اللفظ يفيد في أصل اللغة طول المدة ، ولا يفيد نفي الأولية يقال : دار قديم إذا طالت مدته ، قال الله تعالى : (
حتى عاد كالعرجون القديم ) [ يس : 39 ] وقال : (
إنك لفي ضلالك القديم ) [ يوسف : 95 ] .
الاسم الثاني : الأزلي ، وهذا اللفظ يفيد الانتساب إلى الأزل ، فهذا يوهم أن الأزل شيء حصل ذات الله فيه ، وهذا باطل ، إذ لو كان الأمر كذلك لكانت ذات الله مفتقرة إلى ذلك الشيء ومحتاجة إليه ، وهو محال بل المراد وجود لا أول له البتة .
الاسم الثالث : قولنا لا أول له ، وهذا اللفظ صريح في المقصود ، واختلفوا في أن قولنا لا أول له صفة ثبوتية أو عدمية ، قال بعضهم : إن قولنا لا أول له إشارة إلى نفي العدم السابق ونفي النفي إثبات ، فقولنا لا أول له وإن كان بحسب اللفظ عدما إلا أنه في الحقيقة ثبوت ، وقال آخرون : إنه مفهوم عدمي ، لأنه نفي لكون الشيء مسبوقا بالعدم ، وفرق بين العدم وبين كونه مسبوقا بالعدم ، فكونه مسبوقا بالعدم كيفية ثبوتية ، فقولنا لا أول له سلب لتلك الكيفية الثبوتية ، فكان قولنا لا أول مفهوما عدميا ، وأجاب الأولون عنه بأن كونه مسبوقا بالعدم لو كان كيفية وجودية زائدة على ذاته لكانت تلك الكيفية الزائدة حادثة ، فكانت مسبوقة بالعدم ، فكان كونها كذلك صفة أخرى ، ولزم التسلسل وهو محال .
الاسم الرابع : الأبدي ، وهو يفيد الدوام بحسب الزمان المستقبل .
الاسم الخامس : السرمدي ، واشتقاق هذه اللفظة من السرد ، وهو التوالي والتعاقب ،
قال عليه الصلاة والسلام في الأشهر الحرم : " واحد فرد وثلاثة سرد " أي : متعاقبة ، ولما كان الزمان إنما يبقى بسبب تعاقب أجزائه وتلاحق أبعاضه وكان ذلك التعاقب والتلاحق مسمى بالسرد أدخلوا عليه الميم الزائدة ليفيد المبالغة في ذلك المعنى .
إذا عرفت هذا فنقول : الأصل في لفظ السرمد أن لا يقع إلا على الشيء الذي تحدث أجزاؤه بعضها عقيب البعض ، ولما كان هذا المعنى في حق الله تعالى محالا كان
إطلاق لفظ السرمدي عليه مجازا ، فإن ورد في الكتاب والسنة أطلقناه وإلا فلا .
الاسم السادس : المستمر ، وهذا بناء الاستفعال ، وأصله المرور والذهاب ، ولما كان بقاء الزمان بسبب مرور أجزائه بعضها عقيب البعض لا جرم أطلقوا المستمر ، إلا أن هذا إنما يصدق في حق الزمان ، أما في حق الله فهو محال ، لأنه باق بحسب ذاته المعينة لا بحسب تلاحق أبعاضه وأجزائه .
الاسم السابع : الممتد وسميت المدة مدة ؛ لأنها تمتد بحسب تلاحق أجزائها وتعاقب أبعاضها فيكون
[ ص: 111 ] قولنا في الشيء إنه امتد وجوده إنما يصح في حق الزمان والزمانيات ، أما في حق الله تعالى فعلى المجاز .
الاسم الثامن : لفظ الباقي ، قال تعالى : (
ويبقى وجه ربك ) [ الرحمن : 27 ] واعلم أن كل ما كان أزليا كان باقيا ولا ينعكس فقد يكون باقيا ولا يكون أزليا ولا أبديا كما في الأجسام والأعراض الباقية ، ومن الناس من قال : لفظ الباقي يفيد الدوام ، وعلى هذا لا يصح وصف الأجسام بالباقي ، وليس الأمر كذلك ، لإطباق أهل العرف على قول بعضهم لبعض أبقاك الله .
الاسم التاسع : الدائم ، قال تعالى (
أكلها دائم ) [ الرعد : 35 ] ولما كان أحق الأشياء بالدوام هو الله كان الدائم هو الله .
الاسم العاشر : قولنا " واجب الوجود لذاته " ومعناه أن ماهيته وحقيقته هي الموجبة لوجوده ، وكل ما كان كذلك فإنه يكون ممتنع العدم والفناء ، واعلم أن
كل ما كان واجب الوجود لذاته وجب أن يكون قديما أزليا ، ولا ينعكس ؛ فليس كل ما كان قديما أزليا كان واجب الوجود لذاته ، لأنه لا يبعد أن يكون الشيء معللا بعلة أزلية أبدية فحينئذ يجب كونه أزليا أبديا بسبب كون علته كذلك ، فهذا الشيء يكون أزليا أبديا مع أنه لا يكون واجب الوجود لذاته ، وقولهم بالفارسية " خداي " معناه أنه واجب الوجود لذاته ؛ لأن قولنا " خداي " كلمة مركبة من لفظتين في الفارسية إحداهما : خود ، ومعناه ذات الشيء ونفسه وحقيقته والثانية قولنا " آي " ومعناه جاء فقولنا : " خداي " معناه أنه بنفسه جاء وهو إشارة إلى أنه بنفسه وذاته جاء إلى الوجود لا بغيره ، وعلى هذا الوجه فيصير تفسير قولهم " خداي " أنه لذاته كان موجودا .
الاسم الحادي عشر : الكائن واعلم أن هذا اللفظ كثير الورود في القرآن بحسب صفات الله تعالى قال الله تعالى : (
وكان الله على كل شيء مقتدرا ) [ الكهف : 45 ] وقال : (
إن الله كان عليما حكيما ) [ النساء : 11 ] وأما ورود هذا اللفظ بحسب ذات الله تعالى فهو غير وارد في القرآن ، لكنه وارد في بعض الأخبار ، روي في الأدعية المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
" يا كائنا قبل كل كون ، ويا حاضرا مع كل كون ، ويا باقيا بعد انقضاء كل كون " أو لفظ يقرب معناه مما ذكرناه ويناسبه من بعض الوجوه ، واعلم أن ههنا بحثا لطيفا نحويا : وذلك أن النحويين أطبقوا على أن لفظ " كان " على قسمين : أحدهما : الذي يكون تاما ، وهو بمعنى حدث ووجد وحصل ، قال تعالى (
كنتم خير أمة ) [ آل عمران : 110 ] أي حدثتم ووجدتم خير أمة . والثاني : الذي يكون ناقصا كقولك " كان الله عليما حكيما " فإن لفظ كان بهذا التفسير لا بد له من مرفوع ومنصوب ، واتفقوا على أن " كان " على كلا التقديرين فعل ، إلا أنهم قالوا : أنه على الوجه الأول فعل تام ، وعلى الثاني فعل ناقص ، فقلت للقوم : لو كانت هذه اللفظة فعلا لكان دالا على حصول حدث في زمان معين ولو كان كذلك لكنا إذا أسندناه إلى اسم واحد لكان حينئذ قد دل على حصول حدث لذلك الشيء وحينئذ يتم الكلام ، فكان يجب أن يستغنى عن ذكر المنصوب ، وعلى هذا التقدير يصير فعلا تاما ، فثبت أن القول بأن بهذه الكلمة الناقصة فعلا يوجب كونها تامة غير ناقصة ، وما أفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلا ، فكان القول بأن هذه الكلمة ناقصة كلاما باطلا ، ولما أوردت هذا السؤال عليهم بقي الأذكياء من النحويين والفضلاء منهم متحيرين فيه زمانا طويلا ، وما أفلحوا في الجواب ، ثم لما تأملت فيه وجدت الجواب الحقيقي الذي يزيل الشبهة ، وتقريره أن نقول : لفظ " كان " لا يفيد إلا الحدوث والحصول والوجود ، إلا أن هذا على قسمين : منه ما يفيد حدوث
[ ص: 112 ] الشيء في نفسه ، ومنه ما يفيد موصوفية شيء بشيء آخر . أما القسم الأول : فإن لفظ " كان " يتم بإسناده إلى ذلك الشيء الواحد لأنه لا يفيد أن ذلك الشيء قد حدث وحصل ، وأما القسم الثاني فإنه لا تتم فائدته إلا بذكر الاسمين ، فإنه إذا ذكر كان معناه حصول موصوفية زيد بالعلم ولا يمكن ذكر موصوفية هذا بذاك إلا عند ذكرهما جميعا ، فلا جرم لا يتم المقصود إلا بذكرهما ، فقولنا : " كان زيد عالما " معناه أنه حدث وحصل موصوفية زيد بالعلم ، فثبت بما ذكرنا أن لفظ الكون يفيد الحصول والوجود فقط ، إلا أنه في القسم الأول يكفيه إسناده إلى اسم واحد ، وفي القسم الثاني لا بد من ذكر الاسمين ، وهذا من اللطائف النفيسة في علم النحو ، إذا عرفت هذا فنقول : فعلى هذا التقدير لا فرق بين
الكائن والموجود فوجب جواز إطلاقه على الله تعالى .
القسم الثالث :
من أقسام الصفات الحقيقية : -
الصفة التي تكون مغايرة للوجود ولكيفيات الوجود .
اعلم أن هذا البحث مبني على أنه هل يجوز قيام هذه الصفات بذات الله تعالى ؟
فالمعتزلة والفلاسفة ينكرونه أشد الإنكار ويحتجون عليه بوجوه : -
الأول : أن تلك الصفة إما أن تكون واجبة لذاتها أو ممكنة لذاتها ، والقسمان باطلان ، فبطل القول بالصفات ، وإنما قلنا أن يمتنع كونها واجبة لذاتها لوجهين ( الأول ) أنه ثبت في الحكمة أن واجب الوجود لذاته لا يكون إلا واحدا ( الثاني ) أن الواجب لذاته هو الذي يكون غنيا عما سواه ، والصفة هي التي تكون مفتقرة إلى الموصوف ، فالجمع بين الوجوب الذاتي وبين كونه صفة للغير محال ، وإنما قلنا إنه لا يجوز أن يكون ممكنا لذاته لوجهين .
( الأول ) أن الممكن لذاته لا بد له من سبب ، وسببه لا يجوز أن يكون غير ذات الله ؛ لأن تلك الذات لما امتنع خلوها عن تلك الصفة ، وتلك الصفة مفتقرة إلى الغير لزم كون تلك الذات مفتقرة إلى الغير ، وما كان كذلك كان ممكنا لذاته فيلزم أن يكون الواجب لذاته ممكنا لذاته وهو محال ولا يجوز أن يكون هو ذات الله تعالى ، لأنها قابلة لتلك الصفة فلو كانت مؤثرة فيها لزم كون الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد فاعلا وقابلا معا وهو محال ؛ لما ثبت أن الشيء الواحد لا يصدر عنه إلا أثر واحد ، والفعل والقبول أثران مختلفان .
( الثاني ) أن الأثر مفتقر إلى المؤثر ، فافتقاره إليه إما أن يكون بعد حدوثه ، أو حال حدوثه ، أو حال عدمه ، والأول باطل .
وإلا لكان تأثير ذلك المؤثر في إيجاده تحصيلا للحاصل ، وهو محال ، فبقي القسمان الأخيران ، وذلك يقتضي أن يكون كلما كان الشيء أثرا لغيره كان حادثا ، فوجب أن يقال : الشيء الذي لا يكون حادثا فإنه لا يكون أثرا للغير ، فثبت أن القول بالصفات باطل .
الحجة الثانية : على نفي الصفات : قالوا : إن تلك الصفات إما أن تكون قديمة أو حادثة والأول باطل ؛ لأن القدم صفة ثبوتية على ما بيناه ، فلو كانت الصفات قديمة لكانت الذات مساوية للصفات في القدم ، ويكون كل واحد منهما مخالفا للآخر بخصوصية ماهيته المعينة وما به المشاركة غير ما به المخالفة ، فيكون كل واحد من تلك الأشياء القديمة مركبا من جزأين ، ثم نقول : ويجب أن يكون كل واحد من ذينك الجزأين قديما ؛ لأن جزء ماهية القديم يجب أن يكون قديما ، وحينئذ يكون ذانك الجزآن يتشاركان في القدم ويختلفان بالخصوصية ، فيلزم كون كل واحد منهما مركبا من جزأين ، وذلك محال ؛ لأنه يلزم أن يكون حقيقة الذات
[ ص: 113 ] وحقيقة كل واحدة من تلك الصفات مركبة من أجزاء غير متناهية وذلك محال ، وإنما قلنا إنه يمتنع كون تلك الصفات حادثة لوجوه :
( الأول ) : أن قيام الحوادث بذات الله محال ؛ لأن تلك الذات إن كانت كافية في وجود تلك الصفة أو دوام عدمها لزم دوام وجود تلك الصفة أو دوام عدمها بدوام تلك الذات ، وإن لم تكن كافية فيه فحينئذ تكون تلك الذات واجبة الاتصاف بوجود تلك الصفة أو عدمها ، وذلك الوجود والعدم يكونان موقوفين على شيء منفصل ، والموقوف على الموقوف على الغير موقوف على الغير ، والموقوف على الغير ممكن لذاته ، ينتج أن الواجب لذاته ممكن لذاته ، وهو محال .
( والثاني ) أن ذاته لو كانت قابلة للحوادث لكانت قابلية تلك الحوادث من لوازم ذاته ، فحينئذ يلزم كون تلك القابلية أزلية لأجل كون تلك الذات أزلية ، لكن يمتنع كون قابلية الحوادث أزلية ؛ لأن قابلية الحوادث مشروط بإمكان وجود الحوادث ، وإمكان وجود الحوادث في الأزل محال ، فكان وجود قابليتها في الأزل محالا .
( الثالث ) أن تلك الصفات لما كانت حادثة فإن الإله الموصوف بصفات الإلهية كان موجودا قبل حدوث هذه الصفات ، فحينئذ تكون هذه الصفات مستغنى عنها في ثبوت الإلهية ، فوجب نفيها ، فثبت أن تلك الصفات إما أن تكون حادثة أو قديمة ، وثبت فسادهما فثبت امتناع وجود الصفة .
الحجة الثالثة : أن تلك الصفات إما أن تكون بحيث تتم الإلهية بدونها أو لا تتم ، فإن كان الأول كان وجودها فضلا زائدا ، فوجب نفيها ، وإن كان الثاني كان الإله مفتقرا في تحصيل صفة الإلهية إلى شيء آخر . والمحتاج لا يكون إلها .
الحجة الرابعة : ذاته تعالى إما أن تكون كاملة في جميع الصفات المعتبرة في المدائح والكمالات ، وإما أن لا تكون ، فإن كان الأول فلا حاجة إلى هذه الصفات ، وإن كان الثاني كانت تلك الذات ناقصة في ذاتها مستكملة بغيرها ، وهذه الذات لا يليق بها صفة الإلهية .
الحجة الخامسة : لما كان الإله هو مجموع الذات والصفات فحينئذ يكون الإله مجزأ مبعضا منقسما ، وذلك بعيد عن العقل ؛ لأن كل مركب ممكن لا واجب .
الحجة السادسة : أن الله تعالى كفر
النصارى في التثليث ، فلا يخلو إما أن يكون لأنهم قالوا بإثبات ذوات ثلاثة ، أو لأنهم قالوا بالذات مع الصفات ، والأول لا يقوله
النصارى ، فيمتنع أن يقال إن الله كفرهم بسبب مقالة هم لا يقولون بها ، فبقي الثاني ، وذلك يوجب أن يكون القول بالصفات كفرا .
فهذه الوجوه يتمسك بها نفاة الصفات ، وإذا كان الأمر كذلك فعلى هذا التقدير يمتنع أن يحصل لله تعالى اسم بسبب قيام الصفة الحقيقية به .