النوع الحادي عشر من المحرمات :
(
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) .
قوله تعالى : (
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الربائب : جمع ربيبة ، وهي بنت امرأة الرجل من غيره ، ومعناها مربوبة ؛ لأن الرجل
[ ص: 28 ] هو يربها ، يقال : رببت فلانا أربه ، ورببته أربيه بمعنى واحد ، والحجور جمع حجر ، وفيه لغتان ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت : حجر الإنسان وحجره بالفتح والكسر ، والمراد بقوله : (
في حجوركم ) أي في تربيتكم ، يقال : فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته ، والسبب في هذه الاستعارة أن كل من ربى طفلا أجلسه في حجره ، فصار الحجر عبارة عن التربية ، كما يقال : فلان في حضانة فلان ، وأصله من الحضن الذي هو الإبط ، وقال
أبو عبيدة : في حجوركم أي : في بيوتكم .
المسألة الثانية : روى
nindex.php?page=showalam&ids=16870مالك بن أوس بن الحدثان عن
علي - رضي الله عنه - أنه قال : الربيبة إذا لم تكن في حجر الزوج وكانت في بلد آخر ، ثم فارق الأم بعد الدخول فإنه يجوز له أن يتزوج الربيبة ، ونقل أنه رضوان الله عليه احتج على ذلك بأنه تعالى قال : (
وربائبكم اللاتي في حجوركم ) شرط في كونها ربيبة له كونها في حجره ، فإذا لم تكن في تربيته ولا في حجره فقد فات الشرط ، فوجب أن لا تثبت الحرمة ، وهذا استدلال حسن ، وأما سائر العلماء فإنهم قالوا :
إذا دخل بالمرأة حرمت عليه ابنتها سواء كانت في تربيته أو لم تكن ، والدليل عليه قوله تعالى : (
فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) علق رفع الجناح بمجرد عدم الدخول ، وهذا يقتضي أن المقتضي لحصول الجناح هو مجرد الدخول ، وأما الجواب عن حجة القول الأول فهو أن الأعم الأغلب أن بنت زوجة الإنسان تكون في تربيته ، فهذا الكلام على الأعم ، لا أن هذا القيد شرط في حصول هذا التحريم .
المسألة الثالثة : تمسك
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي في إثبات أن
الزنا يوجب حرمة المصاهرة بقوله تعالى : (
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) قال : لأن الدخول بها اسم لمطلق الوطء سواء كان الوطء نكاحا أو سفاحا ، فدل هذا على أن
الزنا بالأم يوجب تحريم البنت ، وهذا الاستدلال في نهاية الضعف ، وذلك لأن هذه الآية مختصة بالمنكوحة لدليلين : الأول : أن هذه الآية إنما تناولت امرأة كانت من نسائه قبل دخوله بها والمزني بها ليست كذلك ، فيمتنع دخولها في الآية . بيان الأول من وجهين :
الأول : أن قوله : (
من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) يقتضي أن كونها من نسائه يكون متقدما على دخوله بها .
والثاني : أنه تعالى قسم نساءهم إلى من تكون مدخولا بها ، وإلى من لا تكون كذلك ، بدليل قوله : (
فإن لم تكونوا دخلتم بهن ) وإذا كان نساؤهم منقسمة إلى هذين القسمين علمنا أن كون المرأة من نسائه أمر مغاير للدخول بها ، وأما بيان أن المزنية ليست كذلك ، فذلك لأن في النكاح صارت المرأة بحكم العقد من نسائه سواء دخل بها أو لم يدخل بها ، أما في الزنا فإنه لم يحصل قبل الدخول بها حالة أخرى تقتضي صيرورتها من نسائه ، فثبت بهذا أن المزنية غير داخلة في هذه الآية . الثاني : لو أوصى لنساء فلان ، لا تدخل هذه الزانية فيهن ، وكذلك لو حلف على نساء بني فلان ، لا يحصل الحنث والبر بهذه الزانية ، فثبت ضعف هذا الاستدلال ، والله أعلم .