(
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا )
قوله تعالى : (
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا )
اعلم أنه تعالى ذكر ههنا أصنافا أربعة : المرضى ، والمسافرين ، والذين جاءوا من الغائط ، والذين لامسوا النساء .
فالقسمان الأولان يلجئان إلى التيمم ، وهما المرض والسفر .
والقسمان الأخيران يوجبان التطهر بالماء عند وجود الماء ، وبالتيمم عند عدم الماء ، ونحن نذكر حكم كل واحد من هذه الأقسام :
أما السبب الأول : وهو المرض ، فاعلم أنه على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون بحيث لو استعمل الماء لمات ، كما في الجدري الشديد والقروح العظيمة .
وثانيها : أن لا يموت باستعمال الماء ، ولكنه يجد الآلام العظيمة .
وثالثها : أن لا يخاف الموت والآلام الشديدة . لكنه يخاف بقاء شين أو عيب على البدن ، فالفقهاء جوزوا التيمم في القسمين الأولين وما جوزوه في القسم الثالث ، وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه لا يجوز التيمم في الكل إلا عند عدم الماء ، بدليل أنه شرط جواز
التيمم للمريض بعدم وجدان الماء ، بدليل أنه قال في آخر الآية : (
فلم تجدوا ماء ) وإذا كان هذا الشرط معتبرا في جواز التيمم ، فعند فقدان هذا الشرط وجب أن لا يجوز التيمم ، وهو أيضا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وكان يقول : لو شاء الله لابتلاه بأشد من ذلك .
ودليل الفقهاء أنه تعالى جوز التيمم للمريض إذا لم يجد الماء ، وليس فيه دلالة على منعه من التيمم عند وجوده ، ثم قد دلت السنة على جوازه ، ويؤيده ما
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012387روي عن بعض الصحابة أنه أصابته جنابة كان به جراحة عظيمة ، فسأل بعضهم فأمره بالاغتسال ، فلما اغتسل مات ، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : قتلوه قتلهم الله ، فدل ذلك على جواز ما ذكرناه .
السبب الثاني : السفر : والآية تدل على أن
المسافر إذا لم يجد الماء تيمم ، طال سفره أو قصر لهذه الآية .
السبب الثالث : قوله : (
أو جاء أحد منكم من الغائط ) والغائط : المكان المطمئن من الأرض ، وجمعه الغيطان . وكان الرجل إذا أراد قضاء الحاجة طلب غائطا من الأرض يحجبه عن أعين الناس ، ثم سمي الحدث بهذا الاسم تسمية للشيء باسم مكانه .
السبب الرابع : قوله : (
أو لامستم النساء ) وفيه مسائل :
[ ص: 91 ]
المسألة الأولى : قرأ
حمزة والكسائي " لمستم " بغير ألف ، من اللمس ، والباقون " لامستم " بالألف من الملامسة .
المسألة الثانية : اختلف المفسرون في اللمس المذكور ههنا على قولين :
أحدهما : أن المراد به الجماع ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وقتادة وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رضي الله عنه - لأن اللمس باليد لا ينقض الطهارة .
والثاني : أن المراد باللمس ههنا التقاء البشرتين ، سواء كان بجماع أو غيره وهو قول
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - .
واعلم أن هذا القول أرجح من الأول ، وذلك لأن إحدى القراءتين هي قوله تعالى : " أو لمستم النساء " واللمس حقيقته المس باليد ، فأما تخصيصه بالجماع فذاك مجاز ، والأصل حمل الكلام على حقيقته .
وأما القراءة الثانية وهي قوله : (
أو لامستم ) فهو مفاعلة من اللمس ، وذلك ليس حقيقة في الجماع أيضا ، بل يجب حمله على حقيقته أيضا ؛ لئلا يقع التناقض بين المفهوم من القراءتين المتواترتين ، واحتج من قال : المراد باللمس الجماع ، بأن لفظ اللمس والمس وردا في القرآن بمعنى الجماع ، قال تعالى : (
وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) [ البقرة : 237 ] وقال في آية الظهار : (
فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) [ المجادلة : 3 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : إن الله حيي كريم يعف ويكني ، فعبر عن المباشرة بالملامسة . وأيضا الحدث نوعان : الأصغر ، وهو المراد بقوله : (
أو جاء أحد منكم من الغائط ) فلو حملنا قوله : (
أو لامستم النساء ) على الحدث الأصغر لما بقي للحدث الأكبر ذكر في الآية ، فوجب حمله على الحدث الأكبر .
واعلم أن كل ما ذكروه عدول عن ظاهر اللفظ بغير دليل ، فوجب أن لا يجوز . وأيضا فحكم الجنابة تقدم في قوله : (
ولا جنبا ) فلو حملنا هذه الآية على الجنابة لزم التكرار .
المسألة الثالثة : قال أهل الظاهر : إنما ينتقض وضوء اللامس لظاهر قوله : (
أو لامستم ) أما الملموس فلا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - : بل ينتقض وضوؤهما معا .