ثم قال تعالى : (
فتيمموا صعيدا طيبا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
التيمم في اللغة عبارة عن القصد ، يقال : أممته وتيممته وتأممته ، أي قصدته ، وأما على الصعيد فهو فعيل بمعنى الصاعد ، قال
الزجاج : الصعيد وجه الأرض ، ترابا كان أو غيره .
المسألة الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة - رضي الله عنه - :
لو فرضنا صخرا لا تراب عليه فضرب المتيمم يده عليه ومسح ، كان ذلك كافيا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - : بل لا بد من تراب يلتصق بيده .
احتج
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بظاهر هذه الآية فقال : التيمم هو القصد ،
والصعيد هو ما تصاعد من الأرض ، فقوله : (
فتيمموا صعيدا طيبا ) أي اقصدوا أرضا ، فوجب أن يكون هذا القدر كافيا .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فإنه احتج بوجهين :
الأول : أن هذه الآية ههنا مطلقة ، ولكنها في سورة المائدة مقيدة ، وهي قوله سبحانه : (
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ) [ المائدة : 6 ] وكلمة " من " للتبعيض ، وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه . فإن قيل : إن كلمة " من " لابتداء الغاية ، قال صاحب " الكشاف " : لا يفهم أحد من العرب من قول القائل : مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض ، ثم قال : والإذعان للحق أحق من المراء .
الثاني : ما ذكره
الواحدي - رحمه الله - وهو أنه تعالى أوجب في هذه الآية كون الصعيد طيبا ، والأرض الطيبة هي التي تنبت بدليل قوله : (
والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ) [ الأعراف : 58 ] فوجب في التي لا تنبت أن لا تكون طيبة ، فكان قوله : (
فتيمموا صعيدا طيبا ) أمرا بالتيمم بالتراب فقط ، وظاهر الأمر للوجوب .
الثالث : أن قوله : (
صعيدا طيبا ) أمر بإيقاع التيمم بالصعيد الطيب ، والصعيد الطيب هو الأرض التي لا سبخة فيها ، ولا شك أن التيمم بهذا التراب جائز بالإجماع ، فوجب حمل الصعيد الطيب عليه رعاية لقاعدة الاحتياط ، لا سيما وقد خصص النبي - عليه الصلاة والسلام - التراب بهذه الصفة ، فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012388جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012389التراب طهور المسلم إذا لم يجد الماء " .
المسألة الثالثة : قوله تعالى : (
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) محمول عند كثير من المفسرين على الوجه واليدين إلى الكوعين ، وعند أكثر الفقهاء يجب
مسح اليدين إلى المرفقين ، وحجتهم أن اسم اليد يتناول جملة هذا العضو إلى الإبطين ، إلا أنا أخرجنا المرفقين منه بدلالة الإجماع ، فبقي اللفظ متناولا للباقي . ثم ختم تعالى الآية بقوله : (
إن الله كان عفوا غفورا ) وهو كناية عن الترخيص والتيسير ؛ لأن من كان من عادته أنه يعفو عن المذنبين ، فبأن يرخص للعاجزين كان أولى .