(
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) .
قوله تعالى : (
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن
الأمانة عبارة عما إذا وجب لغيرك عليك حق فأديت ذلك الحق إليه فهذا هو الأمانة ، والحكم بالحق عبارة عما إذا وجب لإنسان على غيره حق فأمرت من وجب عليه ذلك الحق بأن يدفعه إلى من له ذلك الحق ، ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بغيره ، لا جرم أنه تعالى ذكر الأمر بالأمانة أولا ، ثم بعده ذكر الأمر بالحكم بالحق ، فما أحسن هذا الترتيب ؛ لأن أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط .
المسألة الثانية : أجمعوا على أن من كان حاكما وجب عليه أن يحكم بالعدل ، قال تعالى : (
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) والتقدير : إن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . وقال : (
إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) [ النحل : 90 ] وقال : (
وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) [ الأنعام : 152 ] وقال : (
ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) [ ص : 26 ] وعن
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012403لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت ، وإذا حكمت عدلت ، وإذا استرحمت رحمت " وعن
الحسن قال :
إن الله أخذ على الحكام ثلاثا : أن لا يتبعوا الهوى ، وأن يخشوه ولا يخشوا الناس ، ولا يشتروا بآياته ثمنا قليلا . ثم قرأ (
ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) [ ص : 26 ] إلى قوله : (
ولا تتبع الهوى ) [ ص : 26 ] وقرأ (
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون ) [ المائدة : 44 ] إلى قوله : (
ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) . ومما يدل على
وجوب العدل الآيات الواردة في مذمة الظلم ، قال تعالى : (
احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) [ الصافات : 22 ] وقال - عليه الصلاة والسلام - : "
ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة ، وأين أعوان الظلمة ، فيجمعون كلهم حتى من برى لهم قلما ، أو لاق لهم دواة ، فيجمعون ويلقون في النار " وقال أيضا : (
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) [ إبراهيم : 42 ] وقال : (
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) [ النمل : 52 ] .
فإن قيل : الغرض من الظلم منفعة الدنيا .
فأجاب الله عن السؤال بقوله : (
لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين ) [ القصص : 58 ] .