(
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) .
قوله تعالى : (
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) .
واعلم أنه تعالى لما أمر بطاعة الرسول في قوله : (
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ثم حكى أن بعضهم تحاكم إلى الطاغوت ولم يتحاكم إلى الرسول ، وبين قبح طريقه وفساد منهجه ، رغب في هذه الآية مرة أخرى في طاعة الرسول فقال : (
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
الزجاج : كلمة " من " ههنا صلة زائدة ، والتقدير : وما أرسلنا رسولا ، ويمكن أن يكون التقدير : وما أرسلنا من هذا الجنس أحدا إلا كذا وكذا ، وعلى هذا التقدير تكون المبالغة أتم .
المسألة الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبو علي الجبائي : معنى الآية : وما أرسلت من رسول إلا وأنا مريد أن يطاع ويصدق ولم أرسله ليعصى . قال : وهذا يدل على
بطلان مذهب المجبرة لأنهم يقولون : إنه تعالى أرسل رسلا لتعصى ، والعاصي من المعلوم أنه يبقى على الكفر ، وقد نص الله على كذبهم في هذه الآية ، فلو لم يكن في القرآن ما يدل على بطلان قولهم إلا هذه الآية لكفى ، وكان يجب على قولهم أن يكون قد أرسل الرسل ليطاعوا وليعصوا جميعا ، فدل ذلك على أن معصيتهم للرسل غير مرادة لله ، وأنه تعالى ما أراد إلا أن يطاع .
واعلم أن هذا الاستدلال في غاية الضعف وبيانه من وجوه :
الأول : أن قوله : ( إلا ليطاع ) يكفي في تحقيق مفهومه أن يطيعه مطيع واحد في وقت واحد ، وليس من شرط تحقق مفهومه أن يطيعه جميع الناس في جميع الأوقات ، وعلى هذا التقدير فنحن نقول بموجبه : وهو أن كل من أرسله الله تعالى فقد أطاعه بعض الناس في بعض الأوقات ، اللهم إلا أن يقال : تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه ، إلا أن
الجبائي لا يقول بذلك ، فسقط هذا الإشكال على جميع التقديرات .
الثاني : لم لا يجوز أن يكون المراد به أن كل كافر فإنه لا بد وأن يقر به عند موته ، كما قال تعالى : (
وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) [ النساء : 159 ] أو يحمل ذلك على إيمان الكل به يوم القيامة ، ومن المعلوم أن الوصف في جانب الثبوت
[ ص: 129 ] يكفي في حصول مسماه ثبوته في بعض الصور وفي بعض الأحوال .
الثالث : أن العلم بعدم الطاعة مع وجود الطاعة متضادان ، والضدان لا يجتمعان ، وذلك العلم ممتنع العدم ، فكانت الطاعة ممتنعة الوجود ، والله عالم بجميع المعلومات ، فكان عالما بكون الطاعة ممتنعة الوجود ، والعالم بكون الشيء ممتنع الوجود لا يكون مريدا له ، فثبت بهذا البرهان القاطع أن يستحيل أن يريد الله من الكافر كونه مطيعا ، فوجب تأويل هذه اللفظة وهو أن يكون المراد من الكلام ليس الإرادة بل الأمر .
والتقدير : وما أرسلنا من رسول إلا ليؤمر الناس بطاعته ، وعلى هذا التقدير سقط الإشكال .