ثم قال تعالى : (
وكان الله على كل شيء مقيتا ) وفيه مسألتان :
[ ص: 166 ] المسألة الأولى : في
المقيت قولان :
الأول : المقيت القادر على الشيء ، وأنشدوا
للزبير بن عبد المطلب .
وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على إساءته مقيتا
وقال آخر :
ليت شعري وأشعرن إذا ما قربوها منشورة ودعيت
ألي الفضل أم علي إذا حو سبت أني على الحساب مقيت
وأنشد
النضر بن شميل :
تجلد ولا تجزع وكن ذا حفيظة فإني على ما ساءهم لمقيت
الثاني : المقيت مشتق من القوت ، يقال : قت الرجل إذا حفظت عليه نفسه بما يقوته ، واسم ذلك الشيء هو القوت ، وهو الذي لا فضل له على قدر الحفظ ، فالمقيت هو الحفيظ الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة ، ثم قال
القفال رحمه الله : وأي المعنيين كان فالتأويل صحيح ، وهو أنه تعالى قادر على إيصال النصيب والكفل من الجزاء إلى الشافع مثل ما يوصله إلى المشفوع فيه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، ولا ينتقص بسبب ما يصل إلى الشافع شيء من جزاء المشفوع ، وعلى الوجه الثاني أنه تعالى حافظ الأشياء شاهد عليها لا يخفى عليه شيء من أحوالنا ، فهو عالم بأن الشافع يشفع في حق أو في باطل حفيظ عليه فيجازي كلا بما علم منه .
المسألة الثانية : إنما قال : (
وكان الله على كل شيء مقيتا ) تنبيها على أن
كونه تعالى قادرا على المقدورات صفة كانت ثابتة له من الأزل ، وليست صفة محدثة ، فقوله : (
وكان ) مطلقا من غير أن قيد ذلك بأنه كان من وقت كذا أو حال كذا ، يدل على أنه كان حاصلا من الأزل إلى الأبد .