(
ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ) .
ثم قال تعالى :
( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا ) .
قال المفسرون : هم قوم من
أسد وغطفان ، كانوا إذا أتوا
المدينة أسلموا وعاهدوا ، وغرضهم أن يأمنوا المسلمين ، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم (
كلما ردوا إلى الفتنة ) كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين (
أركسوا فيها ) أي ردوا مغلوبين منكوسين فيها ، وهذا استعارة لشدة إصرارهم على الكفر وعداوة المسلمين لأن من وقع في شيء منكوسا يتعذر خروجه منه .
ثم قال تعالى : (
فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) .
والمعنى :
فإن لم يعتزلوا قتالكم ولم يطلبوا الصلح منكم ولم يكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم . قال الأكثرون : وهذا يدل على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا لم يجز لنا قتالهم ولا قتلهم ، ونظيره قوله تعالى : (
لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ) [ الممتحنة : 8 ] وقوله : (
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) [ البقرة : 190 ] فخص
[ ص: 180 ] الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا . واعلم أن هذا الكلام مبني على أن المعلق بكلمة " إن " على الشرط عدم عند عدم الشرط ، وقد شرحنا الحال فيه في قوله تعالى : (
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) [ النساء : 31 ] .
ثم قال : (
وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ) .
وفي
السلطان المبين وجهان :
الأول : أنه ظهر على جواز قتل هؤلاء حجة واضحة ظاهرة ، وهي ظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر ، وإضرارهم بأهل الإسلام .
الثاني : أن السلطان المبين هو إذن الله تعالى للمسلمين في قتل هؤلاء الكفار .