(
ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما )
قوله تعالى : (
ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر بعض الأحكام التي يحتاج المجاهد إلى معرفتها عاد مرة أخرى إلى
الحث على الجهاد فقال : ( ولا تهنوا ) أي : ولا تضعفوا ولا تتوانوا : (
في ابتغاء القوم ) أي : في طلب الكفار بالقتال ، ثم أورد الحجة عليهم في ذلك فقال : (
إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ) والمعنى : أن حصول الألم قدر مشترك بينكم وبينهم ، فلما لم يصر خوف الألم مانعا لهم عن قتالكم ، فكيف صار مانعا لكم عن قتالهم ؟ ثم زاد في تقرير الحجة وبين أن المؤمنين أولى بالمصابرة على القتال من المشركين ؛ لأن المؤمنين مقرون بالثواب والعقاب والحشر والنشر ، والمشركين لا يقرون بذلك ، فإذا كانوا مع إنكارهم الحشر والنشر يجدون
[ ص: 26 ] في القتال فأنتم أيها المؤمنون المقرون بأن لكم في هذا الجهاد ثوابا عظيما ، وعليكم في تركه عقابا عظيما ، أولى بأن تكونوا مجدين في هذا الجهاد ، وهو المراد من قوله تعالى : (
وترجون من الله ما لا يرجون ) ويحتمل أيضا أن يكون المراد من هذا الرجاء ما وعدهم الله تعالى في قوله : (
ليظهره على الدين كله ) [التوبة : 33] . وفي قوله : (
ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) [الأنفال : 64] .
وفيه وجه ثالث ، وهو أنكم تعبدون الإله العالم القادر السميع البصير ، فيصح منكم أن ترجوا ثوابه ، وأما المشركون فإنهم يعبدون الأصنام وهي جمادات ، فلا يصح منهم أن يرجوا من تلك الأصنام ثوابا أو يخافوا منها عقابا .
وقرأ
الأعرج : ( أن تكونوا تألمون ) بفتح الهمزة ، بمعنى : ولا تهنوا لأن تكونوا تألمون ، وقوله : (
فإنهم يألمون كما تألمون ) تعليل .
ثم قال : (
وكان الله عليما حكيما ) أي : لا يكلفكم شيئا ، ولا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما هو عالم بأنه سبب لصلاحكم في دينكم ودنياكم .