أما قوله : (
ولا تكن للخائنين خصيما ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : معنى الآية : ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما لمن كان بريئا عن الذنب ، يعني : لا تخاصم
اليهود لأجل المنافقين .
المسألة الثانية : قال
الواحدي -رحمه الله- : خصمك الذي يخاصمك ، وجمعه الخصماء ، وأصله من الخصم ، وهو ناحية الشيء وطرفه ، والخصم : طرف الزاوية ، وطرف الأشفار ، وقيل للخصمين : خصمان ؛ لأن كل
[ ص: 28 ] واحد منهما في ناحية من الحجة والدعوى ، وخصوم السحابة جوانبها .
المسألة الثالثة : قال الطاعنون في
عصمة الأنبياء عليهم السلام : دلت هذه الآية على صدور الذنب من الرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه لولا أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يخاصم لأجل الخائن ويذب عنه ، وإلا لما ورد النهي عنه .
والجواب : أن النهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي فاعلا للمنهي عنه ، بل ثبت في الرواية أن قوم
طعمة لما التمسوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يذب عن
طعمة ، وأن يلحق السرقة باليهودي توقف وانتظر الوحي ، فنزلت هذه الآية ، وكان الغرض من هذا النهي تنبيه النبي عليه الصلاة والسلام على أن
طعمة كذاب ، وأن اليهودي بريء عن ذلك الجرم .
فإن قيل : الدليل على أن ذلك الجرم قد وقع من النبي عليه الصلاة والسلام قوله بعد هذه الآية : (
واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ) . فلما أمره الله بالاستغفار دل على سبق الذنب .
والجواب من وجوه :
الأول : لعله مال طبعه إلى نصرة
طعمة بسبب أنه كان في الظاهر من المسلمين ؛ فأمر بالاستغفار لهذا القدر ، وحسنات الأبرار سيئات المقربين .
والثاني : لعل القوم لما شهدوا على سرقة اليهودي ، وعلى براءة
طعمة من تلك السرقة ، ولم يظهر للرسول عليه الصلاة والسلام ما يوجب القدح في شهادتهم هم بأن يقضي بالسرقة على اليهودي ، ثم لما أطلعه الله تعالى على كذب أولئك الشهود عرف أن ذلك القضاء لو وقع لكان خطأ ، فكان استغفاره بسبب أنه هم بذلك الحكم الذي لو وقع لكان خطأ في نفسه ، وإن كان معذورا عند الله فيه .
الثالث : قوله : ( واستغفر الله ) يحتمل أن يكون المراد : واستغفر الله لأولئك الذين يذبون عن
طعمة ، ويريدون أن يظهروا براءته عن السرقة .