ثم قال تعالى : (
فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
عاصم وحمزة والكسائي : (
يصلحا ) بضم الياء وكسر اللام وحذف الألف من الإصلاح ، والباقون : ( يصالحا ) بفتح الياء والصاد ، والألف بين الصاد واللام ، وتشديد الصاد من التصالح ، ويصالحا في الأصل هو يتصالحا ، فسكنت التاء وأدغمت في الصاد ، ونظيره قوله : (
إذا اداركوا فيها ) [الأعراف : 38] . أصله : تداركوا سكنت التاء ، وأبدلت بالدال ؛ لقرب المخرج وأدغمت في الدال ، ثم اجتلبت الهمزة للابتداء بها فصار اداركوا .
[ ص: 53 ] إذا عرفت هذا فنقول : من قرأ : (
يصلحا ) فوجهه أن الإصلاح عند التنازع والتشاجر مستعمل قال تعالى : (
فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم ) [البقرة : 182] ، وقال : (
أو إصلاح بين الناس ) [النساء : 114] ، ومن قرأ : يصالحا وهو الاختيار عند الأكثرين قال : أن يصالحا معناه يتوافقا ، وهو أليق بهذا الموضع ، وفي حرف
عبد الله : فلا جناح عليهما أن صالحا ، وانتصب صلحا في هذه القراءة على المصدر وكان الأصل أن يقال : تصالحا ، ولكنه ورد كما في قوله : (
والله أنبتكم من الأرض نباتا ) [نوح : 17] ، وقوله : (
وتبتل إليه تبتيلا ) [المزمل : 8] ، وقول الشاعر :
وبعد عطائك المائة الرتاعا
.
المسألة الثانية : الصلح إنما يحصل في شيء يكون حقا له ،
وحق المرأة على الزوج ؛ إما المهر أو النفقة أو القسم ، فهذه الثلاثة هي التي تقدر المرأة على طلبها من الزوج شاء أم أبى ، أما الوطء فليس كذلك ؛ لأن الزوج لا يجبر على الوطء .
إذا عرفت هذا فنقول : هذا الصلح عبارة عما إذا بذلت المرأة كل الصداق أو بعضه للزوج ، أو أسقطت عنه مؤنة النفقة ، أو أسقطت عنه القسم ، وكان غرضها من ذلك أن لا يطلقها زوجها ، فإذا وقعت المصالحة على ذلك كان جائزا .