ثم قال تعالى : (
لم يكن الله ليغفر لهم ) ، وفيه سؤالان :
الأول : أن الحكم المذكور في هذه الآية إما أن يكون مشروطا بما قبل التوبة أو بما بعدها . والأول باطل ؛ لأن الكفر قبل التوبة غير مذكور على الإطلاق ، وحينئذ تضيع هذه الشرائط المذكورة في هذه الآية ، والثاني أيضا باطل ؛ لأن
الكفر بعد التوبة مغفور ، ولو كان ذلك بعد ألف مرة ، فعلى كلا التقديرين فالسؤال لازم .
والجواب عنه من وجوه :
الأول : أنا لا نحمل قوله : ( إن الذين ) على الاستغراق ، بل نحمله على المعهود السابق ، والمراد به أقوام معينون علم الله تعالى منهم أنهم يموتون على الكفر ، ولا يتوبون عنه قط ، فقوله : (
لم يكن الله ليغفر لهم ) إخبار عن موتهم على الكفر ، وعلى هذا التقدير زال السؤال .
الثاني : أن الكلام خرج على الغالب المعتاد ، وهو أن كل من كان
كثير الانتقال من الإسلام إلى الكفر لم يكن للإسلام في قلبه وقع ولا عظم ، والظاهر من حال مثل هذا الإنسان أنه يموت على الكفر على ما قررناه .
الثالث : أن الحكم المذكور في الآية مشروط بعدم التوبة عن الكفر ، وقول السائل : إن على هذا التقدير تضيع الصفات المذكورة .
قلنا : إن إفرادهم بالذكر يدل على أن كفرهم أفحش ، وخيانتهم أعظم وعقوبتهم في القيامة أقوى فجرى هذا مجرى قوله : (
وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) [الأحزاب : 7] . خصهما بالذكر لأجل التشريف ، وكذلك قوله : (
وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [البقرة : 98] .
السؤال الثاني : في قوله : (
ليغفر لهم ) اللام للتأكيد فقوله : (
لم يكن الله ليغفر لهم ) يفيد نفي التأكيد ، وهذا غير لائق بهذا الموضع إنما اللائق به تأكيد النفي ، فما الوجه فيه ؟ .
والجواب : أن نفي التأكيد إذا ذكر على سبيل التهكم كان المراد منه المبالغة في تأكيد النفي .
ثم قال تعالى : (
ولا ليهديهم سبيلا ) قال أصحابنا : هذا يدل على
أنه سبحانه وتعالى لم يهد الكافر إلى الإيمان خلافا
للمعتزلة ، وهم أجابوا عنه بأنه محمول على المنع من زيادة اللطف ، أو على أنه تعالى لا يهديه في الآخرة إلى الجنة .
ثم قال تعالى : (
بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) .
واعلم أن من حمل الآية المتقدمة على المنافقين ، قال : إنه تعالى بين أنه لا يغفر لهم كفرهم ولا يهديهم إلى الجنة ، ثم قال : وكما لا يوصلهم إلى دار الثواب فإنه مع ذلك يوصلهم إلى أعظم أنواع العقاب ، وهو المراد من قوله : (
بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) ، وقوله : ( بشر ) تهكم بهم ، والعرب تقول : تحيتك الضرب ، وعتابك السيف .