(
فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف )
ثم قال تعالى : (
فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف ) .
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في متعلق الباء في قوله : (
فبما نقضهم ) قولان : الأول : أنه محذوف تقديره فبما نقضهم ميثاقهم وكذا ، لعناهم وسخطنا عليهم ، والحذف أفخم لأن عند الحذف يذهب الوهم كل مذهب ، ودليل المحذوف أن هذه الأشياء المذكورة من صفات الذم فيدل على اللعن .
الثاني : أن متعلق الباء هو قوله : (
فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) [النساء : 160] وهذا قول
الزجاج وزعم أن قوله : (
فبظلم من الذين هادوا ) بدل من قوله : (
فبما نقضهم ) .
واعلم أن القول الأول أولى ، ويدل عليه وجهان :
أحدهما : أن من قوله : (
فبما نقضهم ميثاقهم ) إلى قوله : (
فبظلم ) الآيتين بعيد جدا ، فجعل أحدهما بدلا عن الآخر بعيد .
الثاني : أن تلك الجنايات المذكورة عظيمة جدا لأن كفرهم بالله وقتلهم الأنبياء وإنكارهم للتكليف بقولهم : قلوبنا غلف أعظم الذنوب ، وذكر الذنوب العظيمة إنما يليق أن يفرع عليه العقوبة العظيمة ، وتحريم بعض المأكولات عقوبة خفيفة فلا يحسن تعليقه بتلك الجنايات العظيمة .
المسألة الثانية : اتفقوا على أن ( ما ) في قوله : (
فبما نقضهم ميثاقهم ) صلة زائدة ، والتقدير : فبنقضهم ميثاقهم ، وقد استقصينا هذه المسألة في تفسير قوله : (
فبما رحمة من الله لنت لهم ) [آل عمران : 159] .
المسألة الثالثة : أنه تعالى أدخل حرف الباء على أمور :
أولها : نقض الميثاق .
وثانيها : كفرهم بآيات الله ، والمراد منه كفرهم بالمعجزات ، وقد بينا فيما تقدم أن
من أنكر معجزة رسول واحد فقد أنكر جميع معجزات الرسل ، فلهذا السبب حكم الله عليهم بالكفر بآيات الله .
وثالثها :
قتلهم الأنبياء بغير حق ، وذكرنا تفسيره في سورة البقرة .
ورابعها : قولهم (
قلوبنا غلف ) وذكر
القفال فيه وجهين :
أحدهما : أن غلفا جمع غلاف ، والأصل غلف بتحريك اللام فخفف بالتسكين ، كما قيل كتب ورسل بتسكين التاء والسين ، والمعنى على هذا أنهم قالوا قلوبنا غلف ، أي : أوعية للعلم فلا حاجة بنا إلى علم سوى ما عندنا ، فكذبوا الأنبياء بهذا القول .
والثاني : أن غلفا جمع أغلف وهو المتغطي بالغلاف أي : بالغطاء ، والمعنى على هذا أنهم قالوا قلوبنا في أغطية فهي لا تفقه ما تقولون ، نظيره ما حكى الله في قوله (
وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ) [فصلت : 5] .