ثم قال تعالى : (
ورضيت لكم الإسلام دينا ) والمعنى أن هذا هو الدين المرضي عند الله تعالى ويؤكده قوله تعالى : (
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) [ آل عمران : 83 ] .
ثم قال تعالى : (
فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) .
وهذا من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرمها الله تعالى ، يعني أنها وإن كانت محرمة إلا أنها تحل في حالة الاضطرار ، ومن قوله : (
ذلكم فسق ) إلى ههنا اعتراض وقع في البين ، والغرض منه تأكيد ما ذكر من معنى التحريم ، فإن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام الذي هو الدين المرضي عند الله تعالى ، ومعنى اضطر أصيب بالضر الذي لا يمكنه الامتناع معه من الميتة . والمخمصة المجاعة . قال أهل اللغة :
الخمص خلو البطن من الطعام عند الجوع ، وأصله من الخمص الذي هو ضمور البطن . يقال : رجل خميص وخمصان وامرأة خميصة وخمصانة والجمع خمائص وخمصانات ، وقوله (
غير متجانف لإثم ) أي : غير متعمد ، وأصله في اللغة من الجنف الذي هو الميل ، قال تعالى : (
فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) [البقرة : 182] أي : ميلا ، فقوله (
غير متجانف ) أي : غير مائل وغير منحرف ، ويجوز أن ينتصب " غير " بمحذوف مقدر على معنى فتناول غير متجانف ، ويجوز أن ينصب بقوله : ( اضطر ) ويكون المقدر متأخرا على معنى : فمن اضطر غير متجانف لإثم فتناول فإن الله غفور رحيم ، ومعنى الإثم ههنا في قول
أهل العراق أن يأكل فوق الشبع تلذذا ، وفي قول
أهل الحجاز أن يكون عاصيا بسفره ، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في تفسير سورة البقرة في قوله : (
فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) [البقرة : 173] وقوله : (
فإن الله غفور رحيم ) يعني يغفر لهم
أكل المحرم عندما اضطر إلى أكله ، ورحيم بعباده حيث أحل لهم ذلك المحرم عند احتياجهم إلى أكله .