(
وهو في الآخرة من الخاسرين يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )
المسألة الرابعة : قوله تعالى : (
وهو في الآخرة من الخاسرين ) مشروط بشرط غير مذكور في الآية ، وهو أن يموت على ذلك الكفر ؛ إذ لو تاب عن الكفر لم يكن في الآخرة من الخاسرين ، والدليل على أنه لا بد من هذا الشرط قوله تعالى : (
ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر ) [البقرة : 217] الآية .
(
ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )
اعلم أنه تعالى افتتح السورة بقوله : (
ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) وذلك لأنه حصل بين الرب وبين العبد عهد الربوبية وعهد العبودية ، فقوله : (
أوفوا بالعقود ) طلب تعالى من عباده أن يفوا بعهد العبودية ، فكأنه قيل : إلهنا العهد نوعان : عهد الربوبية منك ، وعهد العبودية منا ، فأنت أولى بأن تقدم الوفاء بعهد الربوبية والإحسان . فقال تعالى : نعم أنا أوفي أولا بعهد الربوبية والكرم ، ومعلوم أن منافع الدنيا محصورة في نوعين : لذات المطعم ، ولذات المنكح ، فاستقصى سبحانه في بيان ما يحل ويحرم من المطاعم والمناكح ، ولما كانت الحاجة إلى المطعوم فوق الحاجة إلى المنكوح ، لا جرم قدم بيان المطعوم على المنكوح ، وعند تمام هذا البيان كأنه يقول : قد وفيت بعهد الربوبية فيما يطلب في الدنيا من المنافع واللذات ، فاشتغل أنت في الدنيا بالوفاء بعهد العبودية ، ولما كان أعظم الطاعات بعد الإيمان الصلاة ، وكانت
الصلاة لا يمكن إقامتها إلا بالطهارة ، لا جرم بدأ تعالى بذكر شرائط الوضوء فقال : (
ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) وفي الآية مسائل :