المسألة الثامنة والثلاثون : اختلف الناس في
مسح الرجلين وفي غسلهما ، فنقل
القفال في تفسيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=11958وأبي جعفر محمد بن علي الباقر : أن الواجب فيهما المسح ، وهو مذهب
الإمامية من
الشيعة . وقال جمهور الفقهاء والمفسرين : فرضهما الغسل ، وقال
داود الأصفهاني : يجب الجمع بينهما وهو قول
الناصر للحق من أئمة
الزيدية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير الطبري : المكلف مخير بين المسح والغسل .
حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله : (
وأرجلكم ) فقرأ
ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية
أبي بكر عنه بالجر ، وقرأ
نافع وابن عامر وعاصم في رواية
حفص عنه بالنصب ، فنقول : أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرءوس ، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : هذا كسر على الجوار كما في قوله : " جحر ضب خرب " ، وقوله :
كبير أناس في بجاد مزمل
قلنا : هذا باطل من وجوه :
الأول : أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي يتحمل لأجل الضرورة في الشعر ، وكلام الله يجب تنزيهه عنه .
وثانيها : أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله : " جحر ضب خرب " ، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر ، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل .
وثالثها : أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف ، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب ، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضا : إنها توجب المسح ، وذلك لأن قوله : (
وامسحوا برءوسكم ) " فرءوسكم " في محل النصب ولكنها مجرورة بالباء ، فإذا عطفت الأرجل على الرءوس جاز في الأرجل النصب عطفا على محل الرءوس ، والجر عطفا على الظاهر ، وهذا مذهب مشهور للنحاة .
إذا ثبت هذا فنقول : ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله : (
وأرجلكم ) هو قوله : (
وامسحوا ) ويجوز أن يكون هو قوله : (
فاغسلوا ) لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى ، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله : (
وأرجلكم ) هو قوله : (
وامسحوا ) فثبت أن قراءة (
وأرجلكم )
[ ص: 128 ] بنصب اللام توجب المسح أيضا ، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح ، ثم قالوا : ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ،
ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز .
واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين :
الأول : أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل ، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه ، وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الرجل يقوم مقام مسحها .
والثاني : أن فرض الرجلين محدود إلى الكعبين ، والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح ، والقوم أجابوا عنه بوجهين :
الأول : أن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم ، وعلى هذا التقدير فيجب المسح على ظهر القدمين .
والثاني : أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق ، إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين ، وحينئذ لا يبقى هذا السؤال .