واحتج المخالف بوجوه وحجج :
روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بإسناده عن
أنس أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011240صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، وكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ، وروى
مسلم هذا الخبر
[ ص: 169 ] في صحيحه ، وفيه أنهم
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011241لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " وفي رواية أخرى "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011242ولم أسمع أحدا منهم قال : بسم الله الرحمن الرحيم " وفي رواية رابعة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011243فلم يجهر أحد منهم ببسم الله الرحمن الرحيم " .
الحجة الثانية : ما روى
عبد الله بن المغفل أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011244سمعني أبي وأنا أقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال : يا بني إياك والحدث في الإسلام ، فقد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبي بكر ، وخلف عمر ، وعثمان ، فابتدءوا القراءة بـ " الحمد لله رب العالمين " ، فإذا صليت فقل :
الحمد لله رب العالمين ، وأقول : إن
أنسا وابن المغفل خصصا عدم ذكر بسم الله الرحمن الرحيم بالخلفاء الثلاثة ، ولم يذكرا
عليا ، وذلك يدل على إطباق الكل على أن
عليا كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
الحجة الثالثة : قوله تعالى : (
ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) [ الأعراف : 55 ] ، (
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) [ الأعراف : 205 ] و " بسم الله الرحمن الرحيم " ذكر الله ، فوجب إخفاؤه ، وهذه الحجة استنبطها الفقهاء ، واعتمادهم على الكلامين الأولين .
والجواب عن خبر
أنس من وجوه :
الأول : قال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإسفراييني : روي عن
أنس في هذا الباب ست روايات ، أما الحنفية فقد رووا عنه ثلاث روايات : إحداها قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011245صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين . وثانيتها قوله : إنهم ما كانوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم . وثالثتها قوله : لم أسمع أحدا منهم قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، فهذه الروايات الثلاث تقوي قول الحنفية ، وثلاث أخرى تناقض قولهم : إحداها ما ذكرنا أن
أنسا روى أن
معاوية لما ترك بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والأنصار ، وقد بينا أن هذا يدل على أن الجهر بهذه الكلمات كالأمر المتواتر فيما بينهم .
وثانيتها روى
أبو قلابة عن
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=16011246أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .
وثالثتها أنه سئل عن
الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والإسرار به ، فقال : لا أدري هذه المسألة ، فثبت أن الرواية عن
أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب ، فبقيت متعارضة ، فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل ، وأيضا ففيها تهمة أخرى ، وهي أن
عليا عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما وصلت الدولة إلى
بني أمية بالغوا في المنع من الجهر ، سعيا في إبطال آثار
علي عليه السلام ، فلعل
أنسا خاف منهم ، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه ، ونحن وإن شككنا في شيء فإنا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول
أنس وابن المغفل وبين قول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بقي عليه طول عمره ، فإن الأخذ بقول
علي أولى ، فهذا جواب قاطع في المسألة .
ثم نقول : هب أنه حصل التعارض بين دلائلكم ودلائلنا إلا أن الترجيح معنا ، وبيانه من وجوه :
الأول : أن راوي أخباركم
أنس وابن المغفل ، وراوي قولنا :
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، وهؤلاء كانوا أكثر علما وقربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أنس وابن المغفل .
والثاني : أن مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن
خبر الواحد إذا ورد على خلاف القياس لم يقبل ؛ ولهذا السبب فإنه لم يقبل خبر المصراة مع أنه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : لأن القياس يخالفه . إذا ثبت هذا فنقول قد بينا أن صريح العقل ناطق بأن إظهار هذه الكلمة أولى من إخفائها ، فلأي سبب رجح قول
أنس وقول
ابن المغفل على هذا البيان الجلي البديهي ؟
والثالث : أن من المعلوم بالضرورة أن النبي عليه السلام كان يقدم الأكابر على الأصاغر ، والعلماء على غير
[ ص: 170 ] العلماء ، والأشراف على الأعراب ، ولا شك أن
عليا nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر كانوا أعلى حالا في العلم والشرف وعلو الدرجة من
أنس وابن المغفل ، والغالب على الظن أن
عليا nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر كانوا يقفون بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان
أنس وابن المغفل يقفان بالبعد منه ، وأيضا أنه عليه السلام ما كان يبالغ في الجهر ؛ امتثالا لقوله تعالى : (
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) [ الإسراء : 110 ] وأيضا فالإنسان أول ما يشرع في القراءة إنما يشرع فيها بصوت ضعيف ، ثم لا يزال يقوى صوته ساعة فساعة ، فهذه أسباب ظاهرة في أن يكون
علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة سمعوا الجهر بالتسمية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن
أنسا وابن المغفل ما سمعاه .
الرابع : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لعل المراد من قول
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=16011247كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين أنه كان قدم هذه السورة في القراءة على غيرها من السور ، فقوله : (
الحمد لله رب العالمين ) المراد منه تمام هذه ، فجعل هذه اللفظة اسما لهذه السورة .
الخامس : لعل المراد من عدم الجهر في حديث
ابن المغفل عدم المبالغة في رفع الصوت ، كما قال تعالى : (
ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) [ الإسراء : 110 ] .
السادس : الجهر كيفية ثبوتية ، والإخفاء كيفية عدمية ، والرواية المثبتة أولى من النافية .
السابع : أن الدلائل العقلية موافقة لنا ، وعمل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام معنا ، ومن اتخذ
عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه .
وأما التمسك بقوله تعالى : (
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) [ الأعراف : 205 ] فالجواب أنا نحمل ذلك على مجرد الذكر ، أما قوله : بسم الله الرحمن الرحيم فالمراد منه قراءة كلام الله تعالى على سبيل العبادة والخضوع ، فكان الجهر به أولى .