واحتج المخالف على صحة مذهبه بأنه أمر بقراءة القرآن ، وقراءة الترجمة قراءة القرآن ، ويدل عليه وجوه :
الأول : روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود كان يعلم رجلا القرآن فقال : (
إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) [ الدخان : 43 ] وكان الرجل عجميا ، فكان يقول : طعام اليتيم ؛ فقال : قل : طعام الفاجر ، ثم قال
عبد الله : إنه ليس الخطأ في القرآن أن يقرأ مكان العليم الحكيم ، بل أن
يضع آية الرحمة مكان آية العذاب .
الثاني : قوله تعالى : (
وإنه لفي زبر الأولين ) [ الشعراء : 196 ] فأخبر أن القرآن في زبر الأولين ، وقال تعالى : (
إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ) [ الأعلى : 18 ، 19 ] ثم أجمعنا على أنه ما كان القرآن في زبر الأولين بهذا اللفظ ، لكن كان بالعبرانية والسريانية .
الثالث : أنه تعالى قال : (
وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ) [ الأنعام : 19 ] ثم إن العجم لا يفهمون اللفظ العربي إلا إذا ذكر تلك المعاني لهم بلسانهم ، ثم إنه تعالى سماه قرآنا ، فثبت أن هذا المنظوم بالفارسية قرآن .
والجواب عن الأول أن نقول : إن أحوال هؤلاء عجيبة جدا ، فإن
ابن مسعود نقل عنه أنه كان
يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة المبالغة في نصرة هذا المذهب كما نقل عن
ابن [ ص: 175 ] مسعود ، ثم إن الحنفية لا تلتفت إلى هذا ، بل تقول : إن القائل به شاك في دينه ، والشاك لا يكون مؤمنا ، فإن كان قول
ابن مسعود حجة ، فلم لم يقبلوا قوله في تلك المسألة ؟ وإن لم يكن حجة ، فلم عول عليه في هذه المسألة ؟ ولعمري هذه المناقضات عجيبة ، وأيضا فقد نقل عن
ابن مسعود حذف المعوذتين وحذف الفاتحة عن القرآن ، ويجب علينا إحسان الظن به ؛ وأن نقول : إنه رجع عن هذه المذاهب ، وأما قوله تعالى : (
وإنه لفي زبر الأولين ) [ الشعراء : 196 ] فالمعنى أن هذه القصص موجودة في زبر الأولين ، وقوله تعالى : (
لأنذركم ) [ الأنعام : 19 ] فالمعنى لأنذركم معناه ، وهذا القدر القليل من المجاز يجوز تحمله لأجل الدلائل القاهرة القاطعة التي ذكرناها .
المسألة الثانية عشرة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القول الجديد : تجب القراءة على المقتدي ؛ سواء أسر الإمام بالقراءة أو جهر بها ، وقال في القديم : تجب القراءة إذا أسر الإمام ، ولا تجب إذا جهر ، وهو قول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تكره
القراءة خلف الإمام بكل حال ، ولنا وجوه :
الحجة الأولى : قوله تعالى : (
فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] وهذا الأمر يتناول المنفرد والمأموم .
الحجة الثانية : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة ، فيجب علينا ذلك لقوله تعالى : (
فاتبعوه ) [ الأنعام : 153 ] إلا أن يقال : إن كونه مأموما يمنع منه إلا أنه معارضة .
الحجة الثالثة : أنا بينا أن قوله تعالى : (
وأقيموا الصلاة ) [ البقرة : 43 ] أمر بمجموع الأفعال التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها ، ومن جملة تلك الأفعال قراءة الفاتحة ، فكان قوله : " أقيموا الصلاة " يدخل فيه الأمر بقراءة الفاتحة .
الحجة الرابعة : قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011207لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وقد ثبت تقرير وجه الدليل .
فإن قالوا : هذا الخبر مخصوص بحال الانفراد ؛ لأنه روى
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011258من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل ، إلا أن يكون وراء الإمام . قلنا : هذا الحديث طعنوا فيه .
الحجة الخامسة : قوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي علمه أعمال الصلاة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011253ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن " وهذا يتناول المنفرد والمأموم .
الحجة السادسة : روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948أبو عيسى الترمذي في جامعه بإسناده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=7820محمود بن الربيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011259قرأ النبي عليه الصلاة والسلام في الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : ما لي أراكم تقرأون خلف إمامكم ، قلنا : إي والله ، قال : لا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن .
الحجة السابعة : روى
مالك في الموطأ ، عن
العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع
أبا السائب مولى
هشام يقول : سمعت
أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011260من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تام ، قال : فقلت يا أبا هريرة ، إني أكون أحيانا خلف الإمام ، قال : اقرأ بها يا فارسي في نفسك ،
[ ص: 176 ] والاستدلال بهذا الخبر من وجهين : الأول : أن
صلاة المقتدي بدون القراءة مبررة عن الخداج عند الخصم ، وهو على خلاف النص . الثاني : أن السائل أورد الصلاة خلف الإمام على
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بوجوب القراءة عليه في هذه الحالة ، وذلك يؤيد المطلوب .
الحجة الثامنة : روى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=16011261أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يقول : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين . بين أن التنصيف إنما يحصل بسبب القراءة ، فوجب أن تكون قراءة الفاتحة من لوازم الصلاة ، وهذا التنصيف قائم في صلاة المنفرد وفي صلاة المقتدي .
الحجة التاسعة : روى
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011262صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة ، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه الكريم فقال : هل تقرأون إذا جهرت بالقراءة ؟ فقال بعضنا : إنا لنصنع ذلك ، فقال : وأنا أقول مالي أنازع القرآن ، لا تقرأوا شيئا من القرآن إذا جهرت بقراءتي إلا أم القرآن ؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها .
الحجة العاشرة : أن الأحاديث الكثيرة دالة على أن قراءة القرآن توجب الثواب العظيم ، وهي متناولة للمنفرد والمقتدي ، فوجب أن تكون قراءتها في الصلاة خلف الإمام موجبة للثواب العظيم ، وكل من قال بذلك قال بوجوب قراءتها .
الحجة الحادية عشرة : وافق
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه على أن القراءة خلف الإمام لا تبطل الصلاة ، وأما عدم قراءتها فهو عندنا يبطل الصلاة ، فثبت أن القراءة أحوط ، فكانت واجبة ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011213دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
الحجة الثانية عشرة : إذا بقي المقتدي ساكتا عن القراءة مع أنه لا يسمع قراءة الإمام بقي معطلا ، فوجب أن يكون حال القارئ أفضل منه ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011263أفضل الأعمال قراءة القرآن " وإذا ثبت أن القراءة أفضل من السكوت في هذه الحالة ثبت القول بالوجوب ؛ لأنه لا قائل بالفرق .
الحجة الثالثة عشرة : لو كان الاقتداء مانعا من القراءة لكان الاقتداء حراما ؛ لأن قراءة القرآن عبادة عظيمة ، والمانع من العبادة الشريفة محرم ، فيلزمه أن يكون الاقتداء حراما ، وحيث لم يكن كذلك علمنا أن الاقتداء لا يمنع من القراءة .