واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بالقرآن والخبر ، أما القرآن فقوله تعالى : (
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) [ الأعراف : 204 ] واعلم أنا بينا في تفسير هذه الآية أنها لا تدل على قولهم ، وبالغنا ، فليطالع ذلك الموضع من هذا التفسير ؛ وأما الأخبار فقد ذكروا أخبارا كثيرة ، والشيخ
أحمد البيهقي بين ضعفها ، ثم نقول : هب أنها صحيحة ، ولكن الأخبار لما تعارضت وكثرت فلا بد من الترجيح ، وهو معنا من وجوه :
الأول : أن قولنا يوجب
الاشتغال بقراءة القرآن ، وهو من أعظم الطاعات ، وقولهم يوجب العطلة والسكوت عن ذكر الله ، ولا شك أن قولنا أولى .
الثاني : أن قولنا أحوط .
الثالث : أن قولنا يوجب شغل جميع أجزاء الصلاة بالطاعات والأذكار الجميلة ، وقولهم يوجب تعطيل الوقت عن الطاعة والذكر .
المسألة الثالثة عشرة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه :
قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة ، فإن تركها في
[ ص: 177 ] ركعة بطلت صلاته ، قال الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإسفراييني : وهذا القول مجمع عليه بين الصحابة ، قال به
أبو بكر ،
وعمر ،
وعلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود .
واعلم أن المذاهب في هذه المسألة ستة :
أحدها : قول
الأصم nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية ، وهو أن القراءة غير واجبة أصلا .
والثاني : قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري والحسن بن صالح بن جني أن القراءة إنما تجب في ركعة واحدة ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011207لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " والاستثناء من النفي إثبات ، فإذا حصلت قراءة الفاتحة في الصلاة مرة واحدة وجب القول بصحة الصلاة بحكم الاستثناء .
والثالث : قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وهو أن القراءة في الركعتين الأوليين واجبة ، وهو في الأخيرتين بالخيار ، إن شاء قرأ وإن شاء سبح ، وإن شاء سكت ، وذكر في كتاب الاستحباب أن القراءة واجبة في الركعتين من غير تعيين .
والرابع : نقل
ابن الصباغ في كتاب الشامل عن
سفيان أنه قال : تجب القراءة في الركعتين الأوليين وتكره في الأخريين .
والخامس : وهو قول
مالك أن القراءة واجبة في أكثر الركعات ، ولا تجب في جميعها ، فإن كانت الصلاة أربع ركعات كفت القراءة في ثلاث ركعات ، وإن كانت مغربا كفت في ركعتين ، وإن كانت صبحا وجبت القراءة فيهما معا . والسادس : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وهو أن القراءة واجبة في كل الركعات .
ويدل على صحته وجوه :
الحجة الأولى : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل الركعات ، فيجب علينا مثله ، لقوله تعالى : (
واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] .
الحجة الثانية : أن الأعرابي الذي علمه عليه الصلاة والسلام الصلاة أمره أن يقرأ بأم القرآن ، ثم قال : وكذلك فافعل في كل ركعة ، والأمر للوجوب ، فإن قالوا قوله : "
فافعل في كل ركعة " راجع إلى الأفعال لا إلى الأقوال ، قلنا : القول فعل اللسان فهو داخل في الأفعال .
الحجة الثالثة : نقل الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12785أبو نصر بن الصباغ في كتاب الشامل عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011265أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة فريضة كانت أو نافلة .
الحجة الرابعة : القراءة في الركعات أحوط ، فوجب القول بوجوبها .
الحجة الخامسة : أمر بالصلاة ، والأصل في الثابت البقاء ، حكمنا بالخروج عن العهدة عند القراءة في كل الركعات لأجل أن هذه الصلاة أكمل ، فعند عدم القراءة في الكل وجب أن يبقى في العهدة .
واحتج المخالف بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011266فرضت الصلاة في الأصل ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر ، وإذا ثبت هذا فنقول : الركعتان الأوليان أصل ، والأخريان تبع ، ومدار الأمر في التبع على التخفيف ، ولهذا المعنى فإنه لا يقرأ السورة الزائدة فيهما ولا يجهر بالقراءة فيهما . والجواب أن دلائلنا أكثر وأقوى ، ومذهبنا أحوط ، فكان أرجح .
المسألة الرابعة عشرة : إذا ثبت أن قراءة الفاتحة شرط من شرائط الصلاة فله فروع : الفرع الأول : قد بينا أنه لو
ترك قراءة الفاتحة أو ترك حرفا من حروفها عمدا بطلت صلاته ، أما لو تركها سهوا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في القديم : لا تفسد صلاته ، واحتج بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : صلى بنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه المغرب فترك القراءة ، فلما انقضت الصلاة قيل له : تركت القراءة ، قال : كيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا : حسنا ، قال : فلا بأس ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فلما وقعت هذه الواقعة بمحضر من الصحابة كان ذلك إجماعا ، ورجع
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عنه في الجديد ، وقال : تفسد صلاته ؛ لأن الدلائل المذكورة عامة في العمد والسهو ، ثم أجاب عن قصة
عمر من وجهين : الأول : أن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي روى أن
عمر رضي الله عنه أعاد
[ ص: 178 ] الصلاة .
والثاني : أنه لعله
ترك الجهر بالقراءة لا نفس القراءة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : هذا هو الظن
بعمر .
الفرع الثاني : تجب الرعاية في
ترتيب القراءة ، فلو قرأ النصف الأخير ثم النصف الأول يحسب له الأول دون الأخير .
الفرع الثالث : الرجل الذي
لا يحسن تمام الفاتحة إما أن يحفظ بعضها ، وإما أن لا يحفظ شيئا منها ، أما الأول فإنه يقرأ تلك الآية ويقرأ معها ست آيات على الوجه الأقرب ، وأما الثاني - وهو أن لا يحفظ شيئا من الفاتحة - فهاهنا إن حفظ شيئا من القرآن لزمه قراءة ذلك المحفوظ ؛ لقوله تعالى : (
فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] وإن لم يحفظ شيئا من القرآن فهاهنا يلزمه أن يأتي بالذكر ، وهو التكبير والتحميد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لا يلزمه شيء ، حجة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما روى
رفاعة بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمره الله ، ثم يكبر ، فإن كان معه شيء من القرآن فليقرأ ، وإن لم يكن معه شيء من القرآن فليحمد الله وليكبر ، بقي هاهنا قسم واحد ، وهو أن لا يحفظ الفاتحة ، ولا يحفظ شيئا من القرآن ، ولا يحفظ أيضا شيئا من الأذكار العربية ، وعندي أنه يؤمر بذكر الله تعالى بأي لسان قدر عليه ، تمسكا بقوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011268إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " .
المسألة الخامسة عشرة : نقل في الكتب القديمة أن
ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن ، وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن ، واعلم أن هذا في غاية الصعوبة ؛ لأنا إن قلنا : إن النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة بكون سورة الفاتحة من القرآن ، فحينئذ كان
ابن مسعود عالما بذلك ، فإنكاره يوجب الكفر أو نقصان العقل ، وإن قلنا : إن النقل المتواتر في هذا المعنى ما كان حاصلا في ذلك الزمان ، فهذا يقتضي أن يقال : إن نقل القرآن ليس بمتواتر في الأصل ، وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ، والأغلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن
ابن مسعود نقل كاذب باطل ، وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة . وهاهنا آخر الكلام في المسائل الفقهية المفرعة على سورة الفاتحة ، والله الهادي للصواب .