المسألة الثانية : قال كثير من المفسرين الأصوليين : هذه الآية مجملة من وجوه :
أحدها : أن الحكم
[ ص: 177 ] معلق على السرقة ، ومطلق السرقة غير موجب للقطع ، بل لا بد وأن تكون هذه السرقة سرقة لمقدار مخصوص من المال ، وذلك القدر غير مذكور في الآية فكانت مجملة .
وثانيها : أنه تعالى أوجب قطع الأيدي ، وليس فيه بيان أن الواجب قطع الأيدي الأيمان والشمائل ، وبالإجماع لا يجب قطعهما معا فكانت الآية مجملة .
وثالثها : أن اليد اسم يتناول الأصابع فقط ، ألا ترى أنه لو حلف لا يمس فلانا بيده فمسه بأصابعه فإنه يحنث في يمينه ، فاليد اسم يقع على الأصابع وحدها ، ويقع على الأصابع مع الكف ، ويقع على الأصابع والكف والساعدين إلى المرفقين ، ويقع على كل ذلك إلى المنكبين ، وإذا كان لفظ اليد محتملا لكل هذه الأقسام ، والتعيين غير مذكور في هذه الآية فكانت مجملة .
ورابعها : أن قوله : (
فاقطعوا ) خطاب مع قوم ، فيحتمل أن يكون هذا التكليف واقعا على مجموع الأمة ، وأن يكون واقعا على طائفة مخصوصة منهم ، وأن يكون واقعا على شخص معين منهم ، وهو إمام الزمان كما يذهب إليه الأكثرون ، ولما لم يكن التعيين مذكورا في الآية كانت الآية مجملة ، فثبت بهذه الوجوه أن هذه الآية مجملة على الإطلاق ، هذا تقرير هذا المذهب .
وقال قوم من المحققين : الآية ليست مجملة البتة ، وذلك لأنا بينا أن
الألف واللام في قوله ( والسارق والسارقة ) قائمان مقام "الذي" والفاء في قوله : (
فاقطعوا ) للجزاء ، فكان التقدير : الذي سرق فاقطعوا يده ، ثم تأكد هذا بقوله تعالى : (
جزاء بما كسبا ) وذلك الكسب لا بد وأن يكون المراد به ما تقدم ذكره وهو السرقة ، فصار هذا دليلا على أن مناط الحكم ومتعلقه هو ماهية السرقة ومقتضاه أن يعم الجزاء فيما حصل هذا الشرط ، اللهم إلا إذا قام دليل منفصل يقتضي تخصيص هذا العام ، وأما قوله "الأيدي" عامة فنقول : مقتضاه قطع الأيدي لكنه لما انعقد الإجماع على أنه لا يجب قطعهما معا ، ولا الابتداء باليد اليسرى أخرجناه عن العموم .
وأما قوله : لفظ اليد دائر بين أشياء فنقول : لا نسلم ، بل اليد اسم لهذا العضو إلى المنكب ، ولهذا السبب قال تعالى : (
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) فلولا دخول العضدين في هذا الاسم وإلا لما احتيج إلى التقييد بقوله (
إلى المرافق ) فظاهر الآية يوجب قطع اليدين من المنكبين كما هو قول
الخوارج ، إلا أنا تركنا ذلك لدليل منفصل .
وأما قوله رابعا ، يحتمل أن يكون الخطاب مع كل واحد ، وأن يكون مع واحد معين .
قلنا : ظاهره أنه خطاب مع كل أحد ، ترك العمل به فيما صار مخصوصا بدليل منفصل فيبقى معمولا به في الباقي .
والحاصل أنا نقول : الآية عامة ، فصارت مخصوصة بدلائل منفصلة في بعض الصور فتبقى حجة فيما عداها ، ومعلوم أن هذا القول أولى من قول من قال : إنها مجملة فلا تفيد فائدة أصلا .