ثم قال تعالى : (
فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم )
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : دلت الآية على أن
من تاب فإن الله يقبل توبته ، فإن قيل : قوله (
وأصلح ) يدل على أن مجرد التوبة غير مقبول .
قلنا : المراد من قوله : (
وأصلح ) أي يتوب بنية صالحة صادقة وعزيمة صحيحة خالية عن سائر الأغراض .
المسألة الثانية : إذا
تاب قبل القطع تاب الله عليه ، وهل يسقط عنه الحد ؟ قال بعض العلماء التابعين : يسقط عنه الحد ، لأن ذكر الغفور الرحيم في آخر هذه الآية يدل على سقوط العقوبة عنه ، والعقوبة المذكورة في هذه الآية هي الحد ، فظاهر الآية يقتضي سقوطها . وقال الجمهور : لا يسقط عنه هذا الحد ، بل يقام عليه على سبيل الامتحان .
المسألة الثالثة : دلت الآية على أن
قبول التوبة غير واجب على الله تعالى ؛ لأنه تعالى تمدح بقبول التوبة ، والتمدح إنما يكون بفعل التفضل والإحسان ، لا بأداء الواجبات .
ثم قال تعالى : (
ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير )
[ ص: 182 ]
واعلم أنه تعالى لما أوجب قطع اليد وعقاب الآخرة على السارق قبل التوبة ، ثم ذكر أنه يقبل توبته إن تاب أردفه ببيان أن له أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ، وإنما قدم التعذيب على المغفرة ؛ لأنه في مقابلة تقدم السرقة على التوبة . قال
الواحدي : الآية واضحة
للقدرية في التعديل والتجويز ، وقولهم بوجوب الرحمة للمطيع ، ووجوب العذاب للعاصي على الله ؛ وذلك لأن الآية دالة على أن الرحمة مفوضة إلى المشيئة ، والوجوب ينافي ذلك .
وأقول : فيه وجه آخر يبطل قولهم ؛ وذلك لأنه تعالى ذكر أولا قوله : (
ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) ثم رتب عليه قوله (
يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ) وهذا يدل على أنه إنما حسن منه التعذيب تارة ، والمغفرة أخرى ؛ لأنه مالك الخلق وربهم وإلههم ، وهذا هو مذهب أصحابنا فإنهم يقولون : إنه تعالى يحسن منه كل ما يشاء ويريد ؛ لأجل كونه مالكا لجميع المحدثات ، والمالك له أن يتصرف في ملكه كيف شاء وأراد ، أما
المعتزلة فإنهم يقولون : حسن هذه الأفعال من الله تعالى ليس لأجل كونه إلها للخلق ومالكا لهم ، بل لأجل رعاية المصالح والمفاسد ، وذلك يبطله صريح هذه الآية كما قررناه .