ثم قال تعالى : (
وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : هذا
تعجيب من الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام بتحكيم اليهود إياه بعد علمهم بما في التوراة من حد الزاني ، ثم تركهم قبول ذلك الحكم ، فعدلوا عما يعتقدونه حكما حقا إلى ما يعتقدونه باطلا طلبا للرخصة ، فلا جرم ظهر جهلهم وعنادهم في هذه الواقعة من وجوه :
أحدها : عدولهم عن حكم كتابهم .
والثاني : رجوعهم إلى حكم من كانوا يعتقدون فيه أنه مبطل .
والثالث : إعراضهم عن حكمه بعد أن حكموه ، فبين الله تعالى حال جهلهم وعنادهم ؛ لئلا يغتر بهم مغتر أنهم أهل كتاب الله ومن المحافظين على أمر الله ، وههنا سؤالان :
السؤال الأول :
قوله ( فيها حكم الله ) ما موضعه من الإعراب ؟
الجواب : إما أن ينصب حالا من التوراة ، وهي مبتدأ خبرها ( عندهم ) وإما أن يرتفع خبرا عنها كقولك : وعندهم التوراة ناطقة بحكم الله تعالى ، وإما أن لا يكون له محل ويكون المقصود أن عندهم ما يغنيهم عن التحكيم ، كما تقول : عندك زيد ينصحك ويشير عليك بالصواب فما تصنع بغيره ؟
السؤال الثاني :
لم أنث التوراة ؟ والجواب : الأمر فيه مبني على ظاهر اللفظ .
المسألة الثانية : احتج جماعة من الحنفية بهذه الآية على أن
حكم التوراة وشرائع من قبلنا لازم علينا ما
[ ص: 187 ] لم ينسخ وهو ضعيف ، ولو كان كذلك لكان حكم التوراة كحكم القرآن في وجوب طلب الحكم منه ، لكن الشرع نهى عن النظر فيها . بل المراد هذا الأمر الخاص وهو الرجم ؛ لأنهم طلبوا الرخصة بالتحكيم .
ثم قال تعالى : (
ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ) .
قوله : (
ثم يتولون ) معطوف على قوله : (
يحكمونك ) .
وقوله : ( ذلك ) إشارة إلى حكم الله الذي في التوراة ، ويجوز أن يعود إلى التحكيم .
وقوله : (
وما أولئك بالمؤمنين ) فيه وجوه :
الأول : أي وما هم بالمؤمنين بالتوراة ، وإن كانوا يظهرون الإيمان بها .
والثاني : ما أولئك بالمؤمنين : إخبار بأنهم لا يؤمنون أبدا وهو خبر عن المستأنف لا عن الماضي .
الثالث : أنهم وإن طلبوا الحكم منك فما هم بمؤمنين بك ولا بمعتقدين في صحة حكمك ، وذلك يدل على أنه لا إيمان لهم بشيء وأن كل مقصودهم تحصيل مصالح الدنيا فقط .