(
وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) .
ثم قال تعالى : (
وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) .
[ ص: 61 ] وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : ( وكلوا ) صيغة أمر ، وظاهرها للوجوب لا أن المراد هاهنا الإباحة والتحليل . واحتج أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي به في أن التطوع لا يلزم بالشروع ، وقالوا : ظاهر هذه الآية يقتضي إباحة الأكل على الإطلاق فيتناول ما بعد الشروع في الصوم ، غايته أنه خص في بعض الصور إلا أن العام حجة في غير محل التخصيص .
المسألة الثانية : قوله : (
حلالا طيبا ) يحتمل أن يكون متعلقا بالأكل ، وأن يكون متعلقا بالمأكول ، فعلى الأول يكون التقدير : كلوا حلالا طيبا مما رزقكم الله ، وعلى التقدير الثاني : كلوا من الرزق الذي يكون حلالا طيبا ، أما على التقدير الأول فإنه حجة
للمعتزلة على أن الرزق لا يكون إلا حلالا ، وذلك لأن الآية على هذا التقدير دالة على الإذن في أكل كل ما رزق الله تعالى وإنما يأذن الله تعالى في أكل الحلال ، فيلزم أن يكون كل ما كان رزقا كان حلالا ، وأما على التقدير الثاني فإنه حجة لأصحابنا على أن الرزق قد يكون حراما لأنه تعالى خصص إذن الأكل بالرزق الذي يكون حلالا طيبا ، ولولا أن الرزق قد لا يكون حلالا وإلا لم يكن لهذا التخصيص والتقييد فائدة .
المسألة الثالثة : لم يقل تعالى : كلوا ما رزقكم ، ولكن قال : (
كلوا مما رزقكم ) وكلمة ( من ) للتبعيض ، فكأنه قال : اقتصروا في الأكل على البعض واصرفوا البقية إلى الصدقات والخيرات لأنه إرشاد إلى ترك الإسراف كما قال : (
ولا تسرفوا ) [ الأعراف : 31 ] .
المسألة الرابعة : (
وكلوا مما رزقكم الله ) يدل على
أنه تعالى قد تكفل برزق كل أحد ، فإنه لو لم يتكفل برزقه لما قال : (
كلوا مما رزقكم الله ) وإذا تكفل الله برزقه وجب أن لا يبالغ في الطلب ، وأن يعول على وعد الله تعالى وإحسانه ، فإنه أكرم من أن يخلف الوعد ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012584ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب أما قوله : (
واتقوا الله ) فهو تأكيد للتوصية بما أمر به ، زاده توكيدا بقوله تعالى : (
أنتم به مؤمنون ) لأن الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر به وعما نهى عنه .