المسألة الرابعة : لو
حكم عدلان بمثل ، وحكم عدلان آخران بمثل آخر ، فيه وجهان :
أحدهما :
[ ص: 78 ] يتخير .
والثاني : يأخذ بالأغلظ .
المسألة الخامسة : قال بعض مثبتي القياس : دلت الآية على أن
العمل بالقياس والاجتهاد جائز ؛ لأنه تعالى فوض تعيين المثل إلى اجتهاد الناس وظنونهم ، وهذا ضعيف لأنه لا شك أن الشارع تعبدنا بالعمل بالظن في صور كثيرة . منها : الاجتهاد في القبلة ، ومنها : العمل بشهادة الشاهدين ، ومنها : العمل بتقويم المقومين في قيم المتلفات وأروش الجنايات ، ومنها : العمل بتحكيم الحكام في تعيين مثل المصيد المقتول ، كما في هذه الآية ، ومنها : عمل العامي بالفتوى ، ومنها : العمل بالظن في مصالح الدنيا ، إلا أنا نقول : إن ادعيتم أن تشبيه صورة شرعية بصورة شرعية في الحكم الشرعي هو عين هذه المسائل التي عددناها ، فذلك باطل في بديهة العقل ، وإن سلمتم المغايرة لم يلزم من كون الظن حجة في تلك الصور كونه حجة في مسألة القياس ، إلا إذا قسنا هذه المسألة على تلك المسائل ، وذلك يقتضي إثبات القياس بالقياس ، وهو باطل .
وأيضا فالفرق ظاهر بين البابين ؛ لأن في جميع الصور المذكورة الحكم إنما ثبت في حق شخص واحد في زمان واحد في واقعة واحدة ، وأما الحكم الثابت بالقياس فإنه شرع عام في حق جميع المكلفين باق على وجه الدهر ، والتنصيص على أحكام الأشخاص الجزئية متعذر ، وأما التنصيص على الأحكام الكلية والشرائع العامة الباقية إلى آخر الدهر غير متعذر ، فظهر الفرق والله أعلم .