(
وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ) وسابعها : قوله تعالى : (
وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات ) وفيه مسألتان :
[ ص: 106 ] المسألة الأولى : قوله : (
إذ جئتهم بالبينات ) يحتمل أن يكون المراد منه هذه البينات التي تقدم ذكرها ، وعلى هذا التقدير فالألف واللام للعهد ، ويحتمل أن يكون المراد منه جنس البينات .
المسألة الثانية : روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أظهر هذه المعجزات العجيبة
قصد اليهود قتله فخلصه الله تعالى منهم حيث رفعه إلى السماء .
ثم قال تعالى : (
فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ
حمزة والكسائي ( ساحر ) بالألف وكذلك في يونس وهود والصف ، وقرأ
ابن عامر وعاصم في يونس بالألف فقط والباقون ( سحر ) فمن قرأ ( ساحر ) أشار إلى الرجل ومن قرأ ( سحر ) أشار به إلى ما جاء به ، وكلاهما حسن لأن كل واحد منهما قد تقدم ذكره . قال
الواحدي رحمه الله : والاختيار ( سحر ) لجواز وقوعه على الحدث والشخص ، أما وقوعه على الحدث فظاهر وأما وقوعه على الشخص فتقول : هذا سحر ، وتريد به : ذو سحر ، كما قال تعالى : (
ولكن البر من آمن ) [البقرة : 177] أي ذا البر ، قال الشاعر :
فإنما هي إقبال وإدبار
المسألة الثانية : فإن قيل :
إنه تعالى شرع هاهنا في تعديد نعمه على عيسى عليه السلام ، وقول الكفار في حقه : (
إن هذا إلا سحر مبين ) ليس من النعم ، فكيف ذكره هاهنا ؟
والجواب : أن من الأمثال المشهورة أن كل ذي نعمة محسود ،
وطعن الكفار في عيسى عليه السلام بهذا الكلام يدل على أن نعم الله في حقه كانت عظيمة ، فحسن ذكره عند تعديد النعم للوجه الذي ذكرناه .
وثامنها : قوله تعالى : (
وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ) وقد تقدم
تفسير الوحي ، فمن قال : إنهم كانوا أنبياء ، قال : ذلك الوحي هو الوحي الذي يوحى إلى الأنبياء ، ومن قال : إنهم ما كانوا أنبياء ، قال : المراد بذلك الوحي والإلهام والإلقاء في القلب ، كما في قوله تعالى : (
وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) وقوله : (
وأوحى ربك إلى النحل ) [النحل : 68] وإنما ذكر هذا في معرض تعديد النعم لأن
صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس محبوبا في قلوبهم من أعظم نعم الله على الإنسان ، وذكر تعالى أنه لما ألقى ذلك الوحي في قلوبهم آمنوا وأسلموا ، وإنما قدم ذكر الإيمان على الإسلام لأن
الإيمان صفة القلب ،
والإسلام عبارة عن الانقياد والخضوع في الظاهر ، يعني آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم .
فإن قيل : إنه تعالى قال في أول الآية : (
اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) ثم إن
جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص بعيسى عليه السلام ، وليس لأمه بشيء منها تعلق .
قلنا : كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل الضمن والتبع للأم ; ولذلك قال تعالى : (
وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) [ المؤمنون : 50 ] فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر ، وروي أنه تعالى لما قال
لعيسى : (
اذكر نعمتي عليك ) كان يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئا لغد ويقول : مع كل يوم رزقه ، ومن لم يكن له بيت فيخرب ، ولا ولد فيموت ، أينما أمسى بات .