ثم قال تعالى : (
لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ) .
اعلم أنه تعالى لما أخبر أن
صدق الصادقين في الدنيا ينفعهم في القيامة ، شرح كيفية ذلك النفع وهو الثواب ، وحقيقة الثواب أنها منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فقوله : (
لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) إشارة إلى المنفعة الخالصة عن الغموم والهموم ، وقوله : (
خالدين فيها أبدا ) إشارة إلى الدوام . واعتبر هذه الدقيقة ، فإنه أينما ذكر الثواب قال : (
خالدين فيها أبدا ) وأينما ذكر عقاب الفساق من أهل الإيمان ذكر لفظ الخلود ولم يذكر معه التأبيد ، وأما قوله تعالى : (
رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ) فهو إشارة إلى التعظيم . هذا ظاهر قول المتكلمين ، وأما عند أصحاب الأرواح المشرقة بأنوار جلال الله تعالى ، فتحت قوله : (
رضي الله عنهم ورضوا عنه ) أسرار عجيبة لا تسمح الأقلام بمثلها ، جعلنا الله من أهلها ، وقوله : (
ذلك الفوز العظيم ) الجمهور على أن قوله : ( ذلك ) عائد إلى جملة ما تقدم من قوله : (
لهم جنات تجري ) إلى قوله : (
ورضوا عنه ) وعندي أنه يحتمل أن يكون ذلك مختصا بقوله : (
رضي الله عنهم ورضوا عنه ) فإنه ثبت عند أرباب الألباب أن جملة
الجنة بما فيها بالنسبة إلى رضوان الله كالعدم بالنسبة إلى الوجود ، وكيف والجنة مرغوب الشهوة ، والرضوان صفة الحق ، وأي مناسبة بينهما ، وهذا الكلام يشمئز منه طبع المتكلم الظاهري ، ولكن كل ميسر لما خلق له .