قوله تعالى : (
وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير )
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن صفات الكمال محصورة في القدرة والعلم فإن قالوا : كيف أهملتم وجوب الوجود .
قلنا : ذلك عين الذات لا صفة قائمة بالذات ؛ لأن الصفة القائمة بالذات مفتقرة إلى الذات ، والمفتقر إلى الذات مفتقر إلى الغير ؛ فيكون ممكنا لذاته واجبا بغيره ، فيلزم حصول وجوب قبل الوجوب وذلك محال فثبت أنه عين الذات ، وثبت أن الصفات التي هي الكمالات حقيقتها هي القدرة والعلم فقوله : (
وهو القاهر فوق عباده ) إشارة إلى كمال القدرة ، وقوله : (
وهو الحكيم الخبير ) إشارة إلى كمال العلم . وقوله : (
وهو القاهر ) يفيد الحصر ومعناه أنه
لا موصوف بكمال القدرة وكمال العلم إلا الحق سبحانه وعند هذا يظهر أنه لا كامل إلا هو ، وكل من سواه فهو ناقص .
إذا عرفت هذا فنقول : أما دلالة كونه قاهرا على القدرة فلأنا بينا أن ما عدا الحق سبحانه ممكن بالوجود لذاته ، والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه ولا عدمه على وجوده إلا بترجيحه وتكوينه وإيجاده وإبداعه ؛ فيكون في الحقيقة هو الذي قهر الممكنات تارة في طرف ترجيح الوجود على العدم ، وتارة في طرف ترجيح العدم على الوجود ، ويدخل في هذا الباب كونه قاهرا لهم بالموت والفقر والإذلال ويدخل فيه
[ ص: 144 ] كل ما ذكره الله تعالى في قوله : (
قل اللهم مالك الملك ) [ آل عمران : 26 ] إلى آخر الآية . وأما كونه حكيما ، فلا يمكن حمله ههنا على العلم ؛ لأن الخبير إشارة إلى العلم فيلزم التكرار ، وأنه لا يجوز ، فوجب حمله على كونه محكما في أفعاله بمعنى أن أفعاله تكون محكمة متقنة آمنة من وجوه الخلل والفساد ، والخبير هو العالم بالشيء المروي . قال
الواحدي : وتأويله أنه العالم بما يصح أن يخبر به قال : والخبر علمك بالشيء تقول : لي به خبر أي علم ، وأصله من الخبر ؛ لأنه طريق من طرق العلم .