(
إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون )
قوله تعالى : (
إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون )
اعلم أنه تعالى بين السبب في كونهم بحيث لا يقبلون الإيمان ولا يتركون الكفر فقال : (
إنما يستجيب الذين يسمعون ) يعني أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ، وإنما يستجيب من يسمع ، كقوله : (
إنك لا تسمع الموتى ) [ النمل : 80 ] قال
علي بن عيسى : الفرق بين يستجيب ويجيب ، أن " يستجيب " في قبوله لما دعي إليه ، وليس كذلك يجيب لأنه قد يجيب بالمخالفة كقول القائل : أتوافق في هذا المذهب أم تخالف ؟ فيقول المجيب : أخالف .
وأما قوله : (
والموتى يبعثهم الله ) ففيه قولان :
الأول : أنه مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة والمراد :
أنه تعالى هو القادر على أن يبعث الموتى من القبور يوم القيامة ثم إليه يرجعون للجزاء ، فكذلك ههنا
أنه تعالى هو القادر على إحياء قلوب هؤلاء الكفار بحياة الإيمان وأنت لا تقدر عليه .
والقول الثاني : أن المعنى : وهؤلاء الموتى يعني الكفرة يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ، فحينئذ يسمعون ، وأما قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم ، وقرئ " يرجعون " بفتح الياء . وأقول : لا شك أن الجسد الخالي عن الروح يظهر منه النتن والصديد والقيح وأنواع العفونات ، وأصلح أحواله أن يدفن تحت التراب ، وأيضا الروح الخالية عن العقل يكون صاحبها مجنونا يستوجب القيد والحبس ، والعقل بالنسبة إلى الروح كالروح بالنسبة إلى الجسد ، وأيضا العقل بدون معرفة الله تعالى وصفاته وطاعته كالضائع الباطل ، فنسبة التوحيد والمعرفة إلى العقل كنسبة العقل إلى الروح ، ونسبة الروح إلى الجسد فمعرفة الله ومحبته روح روح الروح فالنفس الخالية عن هذه المعرفة تكون بصفة الأموات ، فلهذا السبب وصف الله أولئك الكفار المصرين بأنهم الموتى . والله أعلم .