أما
قوله تعالى : ( وجعل الليل سكنا ) فاعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآية ثلاثة أنواع من الدلائل الفلكية
[ ص: 81 ] على التوحيد :
فأولها : ظهور الصباح ، وقد فسرناه بمقدار الفهم .
وثانيها : قوله : (
وجعل الليل سكنا ) وفيه مباحث :
المبحث الأول : قال صاحب " الكشاف " : السكن ما يسكن إليه الرجل ويطمئن إليه استئناسا به واسترواحا إليه من زوج أو حبيب ، ومنه قيل للنار سكن ؛ لأنه يستأنس بها ، ألا تراهم سموها المؤنسة . ثم إن الليل يطمئن إليه الإنسان ؛ لأنه أتعب نفسه بالنهار ، واحتاج إلى زمان يستريح فيه وذلك هو الليل .
فإن قيل : أليس أن الخلق يبقون في الجنة في أهنأ عيش ، وألذ زمان مع أنه ليس هناك ليل ؟ فعلمنا أن وجود الليل والنهار ليس من ضروريات اللذة والخير في الحياة ؟ قلنا : كلامنا في أن
الليل والنهار من ضروريات مصالح هذا العالم ، أما في الدار الآخرة فهذه العادات غير باقية فيه ، فظهر الفرق .
المبحث الثاني : قرأ
عاصم والكسائي : (
وجعل الليل ) على صيغة الفعل ، والباقون " جاعل " على صيغة اسم الفاعل ، حجة من قرأ باسم الفاعل أن المذكور قبله اسم الفاعل ، وهو قوله : (
فالق الحب ) ، (
فالق الإصباح ) وجاعل أيضا اسم الفاعل . ويجب كون المعطوف مشاركا للمعطوف عليه ، وحجة من قرأ بصيغة الفعل أن قوله : (
والشمس والقمر ) منصوبان ، ولا بد لهذا النصب من عامل ، وما ذاك إلا أن يقدر قوله : ( وجعل ) بمعنى وجاعل الشمس والقمر حسبانا ، وذلك يفيد المطلوب .