وأما قوله تعالى : (
والشمس والقمر حسبانا ) ففيه مباحث :
المبحث الأول : معناه أنه قدر
حركة الشمس والقمر بحساب معين كما ذكره في سورة
يونس في قوله : (
هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ) [ يونس : 5 ] وقال في سورة الرحمن : (
الشمس والقمر بحسبان ) وتحقيق الكلام فيه أنه تعالى قدر حركة الشمس مخصوصة بمقدار من السرعة والبطء بحيث تتم الدورة في سنة ، وقدر حركة القمر بحيث يتم الدورة في شهر ، وبهذه المقادير تنتظم مصالح العالم في الفصول الأربعة ، وبسببها يحصل ما يحتاج إليه من نضج الثمار ، وحصول الغلات ، ولو قدرنا كونها أسرع أو أبطأ مما وقع ، لاختلت هذه المصالح ؛ فهذا هو المراد من قوله : (
والشمس والقمر حسبانا ) .
المبحث الثاني : في الحسبان قولان :
الأول : وهو قول
أبي الهيثم أنه جمع حساب ؛ مثل : ركاب وركبان ، وشهاب وشهبان .
والثاني : أن الحسبان مصدر كالرجحان والنقصان . وقال صاحب " الكشاف " : الحسبان بالضم مصدر حسب ، كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب ، ونظيره الكفران والغفران والشكران .
إذا عرفت هذا فنقول :
معنى جعل الشمس والقمر حسبانا جعلهما على حساب ؛ لأن حساب الأوقات لا يعلم إلا بدورهما وسيرهما .
المبحث الثالث : قال صاحب " الكشاف " : (
والشمس والقمر ) قرئا بالحركات الثلاث ، فالنصب على إضمار فعل دل عليه قوله : (
جعل الليل ) أي وجعل الشمس والقمر حسبانا ؛ والجر عطف على لفظ الليل ، والرفع على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والشمس والقمر مجعولان حسبانا ؛ أي محسوبان .
ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله : (
ذلك تقدير العزيز العليم ) والعزيز إشارة إلى كمال قدرته والعليم إشارة
[ ص: 82 ] إلى كمال علمه ، ومعناه أن تقدير أجرام الأفلاك بصفاتها المخصوصة وهيئاتها المحدودة ، وحركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة في البطء والسرعة لا يمكن تحصيله إلا بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات ، وعلم نافذ في جميع المعلومات من الكليات والجزئيات ، وذلك تصريح بأن حصول هذه الأحوال والصفات ليس بالطبع والخاصة ، وإنما هو بتخصيص الفاعل المختار . والله أعلم .