المسألة الرابعة : حاصل الكلام أن القوم طلبوا من الرسول معجزات قوية ، وحلفوا أنها لو ظهرت لآمنوا ، فبين الله تعالى أنهم وإن حلفوا على ذلك ، إلا أنه تعالى عالم بأنها لو ظهرت لم يؤمنوا ، وإذا كان الأمر كذلك لم يجب في الحكمة إجابتهم إلى هذا المطلوب . قال
الجبائي والقاضي : هذه الآية تدل على أحكام كثيرة متعلقة بنصرة الاعتزال .
الحكم الأول
أنها تدل على أنه لو كان في المعلوم لطف يؤمنون عنده لفعله لا محالة ، إذ لو جاز أن لا يفعله لم يكن لهذا الجواب فائدة ؛ لأنه إذا كان تعالى لا يجيبهم إلى مطلوبهم سواء آمنوا أو لم يؤمنوا لم يكن تعليق ترك الإجابة بأنهم لا يؤمنون عنده منتظما مستقيما ، فهذه الآية تدل على
أنه تعالى يجب عليه أن يفعل كل ما هو في مقدوره من الألطاف والحكمة .
[ ص: 120 ]
الحكم الثاني : أن هذا الكلام إنما يستقيم لو كان لإظهار هذه المعجزات أثر في حملهم على الإيمان ، وعلى قول المجبرة ذلك باطل ؛ لأن عندهم الإيمان إنما يحصل بخلق الله تعالى ، فإذا خلقه حصل ، وإذا لم يخلقه لم يحصل ، ولكنه في الحقيقة باق .
فإن لقائل أن يقول : هب أنهم لا يؤمنون عند إظهار تلك المعجزات ، فلم لم يجب على الله تعالى إظهارها ؟ اللهم إلا إذا ثبت قبل هذا البحث أن اللطف واجب على الله تعالى ، فحينئذ يحصل هذا المطلوب من هذه الآية ، إلا أن القاضي جعل هذه الآية دليلا على وجوب اللطف ، فثبت أن كلامه ضعيف .
وأما البحث الثاني : وهو قوله : إذا كان الكل بخلق الله تعالى لم يكن لهذه الألطاف أثر فيه ، فنقول : الذي نقول به أن المؤثر في الفعل هو مجموع القدرة مع الداعي ، والعلم بحصول هذا اللطف أحد أجزاء الداعي وعلى هذا التقدير . فيكون لهذا اللطف أثر في حصول الفعل .