صفحة جزء
( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون )

قوله تعالى : ( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون )

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وحده " تعملون " بالتاء على الخطاب ، والباقون بالياء على الغيبة .

المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل الثواب والدرجات ، وأحوال أهل العقاب والدركات ذكر كلاما كليا ، فقال : ( ولكل درجات مما عملوا ) وفي الآية قولان :

القول الأول : أن قوله : ( ولكل درجات مما عملوا ) عام في المطيع والعاصي ، والتقدير :

ولكل عامل عمل فله في عمله درجات ، فتارة يكون في درجة ناقصة ، وتارة يترقى منها إلى درجة كاملة ، وأنه تعالى عالم بها على التفصيل التام ، فرتب على كل درجة من تلك الدرجات ما يليق به من الجزاء ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

والقول الثاني : أن قوله : ( ولكل درجات مما عملوا ) مختص بأهل الطاعة ؛ لأن لفظ الدرجة لا يليق إلا بهم . وقوله : ( وما ربك بغافل عما يعملون ) مختص بأهل الكفر والمعصية والصواب هو الأول .

المسألة الثالثة : اعلم أن هذه الآية تدل أيضا على صحة قولنا في مسألة الجبر والقدر ، وذلك لأنه [ ص: 163 ] تعالى حكم لكل واحد في وقت معين بحسب فعل معين بدرجة معينة ، وعلم تلك الدرجة بعينها وأثبت تلك الدرجة المعينة في اللوح المحفوظ وأشهد عليه زمر الملائكة المقربين ، فلو لم تحصل تلك الدرجة لذلك الإنسان لبطل ذلك الحكم ، ولصار ذلك العلم جهلا ، ولصار ذلك الإشهاد كذبا وكل ذلك محال . فثبت أن لكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما تعملون ، وإذا كان الأمر كذلك ، فقد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، والسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية