( المسألة الثانية ) :
المراد من إنزال الوحي وكون القرآن منزلا ، ومنزلا ، ومنزولا به - أن
جبريل عليه السلام سمع في السماء كلام الله تعالى ، فنزل على الرسول به ، وهذا كما يقال : نزلت رسالة الأمير من القصر ، والرسالة لا تنزل ، لكن المستمع يسمع الرسالة من علو فينزل ويؤدي في سفل . وقول الأمير لا يفارق ذاته ، ولكن السامع يسمع فينزل ويؤدي بلفظ نفسه ، ويقال : فلان ينقل الكلام إذا سمع في موضع وأداه في موضع آخر . فإن قيل : كيف سمع
جبريل كلام الله تعالى ، وكلامه ليس من الحروف والأصوات عندكم ؟ قلنا : يحتمل أن يخلق الله تعالى له سمعا لكلامه ، ثم أقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم ، ويجوز أن يكون الله خلق في اللوح المحفوظ كتابة بهذا النظم المخصوص ، فقرأه
جبريل عليه السلام فحفظه ، ويجوز أن يخلق الله أصواتا مقطعة بهذا النظم المخصوص في جسم مخصوص ، فيتلقفه
جبريل عليه السلام ، ويخلق له علما ضروريا بأنه هو العبارة المؤدية لمعنى ذلك الكلام القديم .