أما قوله تعالى : (
أن لعنة الله على الظالمين ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ
نافع وأبو عمرو وعاصم ( أن ) مخففة ( لعنة ) بالرفع ، والباقون مشددة ( لعنة ) بالنصب . قال
الواحدي رحمه الله : من شدد فهو الأصل ، ومن خفف ( أن ) فهي مخففة من الشديدة على إرادة إضمار القصة والحديث تقديره أنه لعنة الله ، ومثله قوله تعالى : (
وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [يونس : 10] التقدير : أنه ، ولا تخفف أن إلا ويكون معها إضمار الحديث والشأن . ويجوز أيضا أن تكون المخففة هي التي للتفسير كأنها تفسير لما أذنوا به كما ذكرناه في قوله : (
أن قد وجدنا ) وروى صاحب "الكشاف" أن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش قرأ ( إن لعنة الله ) بكسر ( إن ) على إرادة القول ، أو على إجراء ( أذن ) مجرى "قال" .
المسألة الثانية : اعلم أن هذه الآية تدل على أن ذلك المؤذن أوقع لعنة الله على من كان موصوفا بصفات أربعة .
الصفة الأولى : كونهم ظالمين ؛ لأنه قال : (
أن لعنة الله على الظالمين ) قال أصحابنا : المراد منه المشركون ، وذلك لأن المناظرة المتقدمة إنما وقعت بين أهل الجنة وبين الكفار ، بدليل أن قول أهل الجنة : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ لا يليق ذكره إلا مع الكفار .
وإذا ثبت هذا فقول المؤذن بعده : (
أن لعنة الله على الظالمين ) يجب أن يكون منصرفا إليهم ، فثبت أن المراد بالظالمين ههنا المشركون, وأيضا أنه
وصف هؤلاء الظالمين بصفات ثلاثة . هي مختصة بالكفار, وذلك يقوي ما ذكرناه ، وقال القاضي : المراد منه كل من كان ظالما سواء كان كافرا أو كان فاسقا ؛ تمسكا بعموم اللفظ .
الصفة الثانية : قوله : (
الذين يصدون عن سبيل الله ) ومعناه : أنهم يمنعون الناس من قبول الدين الحق ، تارة بالزجر والقهر ، وأخرى بسائر الحيل .
والصفة الثالثة : قوله : (
ويبغونها عوجا ) والمراد منه إلقاء الشكوك والشبهات في دلائل الدين الحق .
والصفة الرابعة : قوله : (
وهم بالآخرة كافرون ) واعلم أنه تعالى لما بين أن تلك اللعنة إنما أوقعها ذلك المؤذن على الظالمين الموصوفين بهذه الصفات الثلاثة ، كان ذلك تصريحا بأن تلك اللعنة ما وقعت إلا على الكافرين ، وذلك يدل على فساد ما ذكره القاضي من أن ذلك اللعن يعم الفاسق والكافر . والله أعلم .