ثم قال : (
ألا له الخلق والأمر ) أي لا خالق إلا هو .
ولقائل أن يقول : لا يلزم من كونه تعالى خالقا لهذه الأشياء أن يقال : لا خالق على الإطلاق إلا هو ، فلم رتب على إثبات كونه خالقا لتلك الأشياء إثبات أنه لا خالق إلا هو على الإطلاق ؟ فنقول : الحق أنه
متى ثبت كونه تعالى خالقا لبعض الأشياء ، وجب كونه خالقا لكل الممكنات ، وتقريره : أن افتقار المخلوق إلى الخالق لإمكانه ، والإمكان واحد في كل الممكنات ، وهذا الإمكان إما أن يكون علة للحاجة إلى مؤثر متعين ، أو إلى مؤثر غير متعين . والثاني باطل ؛ لأن كل ما كان موجودا في الخارج ، فهو متعين في نفسه ، فيلزم منه أن ما لا يكون متعينا في نفسه لم يكن موجودا في الخارج ، وما لا وجود له في الخارج امتنع أن يكون علة لوجود غيره في الخارج ، فثبت أن الإمكان علة للحاجة إلى موجد ومعين ، فوجب أن يكون جميع الممكنات محتاجا إلى ذلك المعين . فثبت أن الذي يكون مؤثرا في وجود شيء واحد ، هو المؤثر في وجود كل الممكنات .
[ ص: 104 ] أما قوله تعالى : (
تبارك الله رب العالمين ) فاعلم أنه سبحانه لما بين كونه خالقا للسماوات ، والأرض ، والعرش ، والليل ، والنهار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، وبين كون الكل مسخرا في قدرته وقهره ومشيئته ، وبين أن له الحكم والأمر والنهي والتكليف ، بين أنه يستحق
الثناء والتقديس والتنزيه ، فقال : (
تبارك الله رب العالمين ) وقد تقدم تفسير " تبارك " فلا نعيده .
واعلم أنه تعالى بدأ في أول الآية : ( رب السماوات والأرضين ) وسائر الأشياء المذكورة ، ثم ختم الآية بقوله : (
تبارك الله رب العالمين ) والعالم كل موجود سوى الله تعالى ، فبين كونه ربا وإلها وموجودا ومحدثا لكل ما سواه ، ومع كونه كذلك فهو رب ومرب ومحسن ومتفضل . وهذا آخر الكلام في شرح هذه الآية .