[ ص: 180 ] (
فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) .
قوله تعالى : (
فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) .
واعلم أن المعنى أنه تعالى ، لما كشف عنهم العذاب من قبل مرات وكرات ولم يمتنعوا عن كفرهم وجهلهم ، ثم بلغوا الأجل المؤقت انتقم منهم بأن أهلكهم بالغرق . والانتقام في اللغة سلب النعمة بالعذاب ، واليم البحر ، قال صاحب " الكشاف " : اليم : البحر الذي لا يدرك قعره ، وقيل : هو لجة البحر ومعظم مائه ، واشتقاقه من التيمم ؛ لأن المستقين به يقصدونه . وبين تعالى بقوله : (
بأنهم كذبوا بآياتنا ) أن ذلك الانتقام هو لذلك التكذيب . وقوله : (
وكانوا عنها غافلين ) اختلفوا في الكناية في " عنها " . فقيل : إنها عائدة إلى النقمة التي دل عليها قوله : (
انتقمنا ) والمعنى : وكانوا عن النقمة قبل حلولها غافلين ، وقيل : الكناية عائدة إلى الآيات ، وهو اختيار الزجاج . قال : لأنهم كانوا لا يعتبرون بالآيات التي تنزل بهم .
فإن قيل : الغفلة ليست من فعل الإنسان ولا تحصل باختياره ، فكيف جاء الوعيد على الغفلة .
قلنا : المراد بالغفلة هنا الإعراض عن الآيات وعدم الالتفات إليها ، فهم أعرضوا عنها حتى صاروا كالغافلين عنها .
فإن قيل : أليس قد ضموا إلى التكذيب والغفلة معاصي كثيرة ؟ فكيف يكون الانتقام لهذين دون غيرهما .
قلنا : ليس في الآية بيان أنه تعالى انتقم منهم لهذين معا دلالة على نفي ما عداه ، والآية تدل على أن الواجب في الآيات النظر فيها ؛ ولذلك ذمهم بأن غفلوا عنها ، وذلك يدل على أن
التقليد طريق مذموم .