( المسألة الثانية ) : قال البصريون : هذا الحرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ، وقال الكوفيون : لا أثر له في رفع الخبر ، بل هو مرتفع بما كان مرتفعا به قبل ذلك . حجة البصريين : أن هذه الحروف تشبه الفعل مشابهة تامة على ما تقدم بيانه ، والفعل له تأثير في الرفع والنصب ، فهذه الحروف يجب أن تكون كذلك . وحجة الكوفيين من وجهين : الأول : أن معنى الخبرية باق في خبر المبتدأ ، وهو أولى باقتضاء الرفع ، فتكون الخبرية رافعة ، وإذا كانت الخبرية رافعة استحال ارتفاعه بهذه الحروف ، فهذه مقدمات ثلاثة : إحداها :
قولنا : الخبرية باقية ، وذلك ظاهر ، لأن
المراد من الخبرية كون الخبر مسندا إلى المبتدأ ، وبعد دخول حرف " إن " عليه فذاك الإسناد باق .
وثانيها : قولنا : الخبرية ههنا مقتضية للرفع : وذلك لأن الخبرية كانت قبل دخول " إن " مقتضية للرفع ، ولم يكن عدم الحرف هناك جزءا من المقتضى ؛ لأن العدم لا يصلح أن يكون جزء العلة ، فبعد دخول هذه الحروف كانت الخبرية مقتضية للرفع ، لأن المقتضى بتمامه لو حصل ولم يؤثر لكان ذلك لمانع ، وهو خلاف الأصل .
وثالثها : قولنا : الخبرية أولى بالاقتضاء ، وبيانه من وجهين :
الأول : أن كونه خبرا وصف حقيقي قائم بذاته ، وذلك الحرف أجنبي مباين عنه ، وكما أنه مباين عنه فغير مجاور له ؛ لأن الاسم يتخللهما .
الثاني : أن الخبر يشابه الفعل مشابهة حقيقية معنوية ، وهو كون كل واحد منهما مسندا إلى الغير ، أما الحرف فإنه لا يشابه الفعل في وصف حقيقي معنوي ، فإنه ليس فيه إسناد ، فكانت مشابهة الخبر للفعل أقوى من مشابهة هذا الحرف للفعل ، فإذا ثبت ذلك كانت الخبرية باقتضاء الرفع لأجل مشابهة الفعل أولى من الحرف بسبب مشابهته للفعل .
ورابعها : لما كانت الخبرية أقوى في اقتضاء الرفع استحال كون هذا الحرف رافعا ، لأن الخبرية بالنسبة إلى هذا الحرف أولى ، وإذا كان كذلك فقد حصل الحكم بالخبرية قبل حصول هذا الحرف ، فبعد وجود هذا الحرف لو أسند هذا الحكم إليه لكان ذلك تحصيلا للحاصل ، وهو محال .
الوجه الثاني : أن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وافق على أن
الحرف غير أصل في العمل ، فيكون إعماله على خلاف الدليل ، وما ثبت على خلاف الدليل يقدر بقدر الضرورة . والضرورة تندفع بإعمالها في الاسم ، فوجب أن لا يعملها في الخبر .