(
ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون )
قوله تعالى :( ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون )
اعلم أنه تعالى لما قال بعد تمثيلهم بالكلب(
ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ) وزجر بذلك عن الكفر والتكذيب أكده في باب الزجر بقوله تعالى :(
ساء مثلا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الليث : ساء يسوء فعل لازم ومتعد ، يقال : سيأ الشيء يسوء فهو ساء إذا قبح ، وساءه يسوءه مساءة . قال النحويون : تقديره : ساء مثلا مثل القوم ، انتصب مثلا على التمييز ؛ لأنك إذا قلت ساء جاز أن تذكر شيئا آخر سوى مثلا ، فلما ذكرت نوعا ، فقد ميزته من سائر الأنواع ، وقولك القوم ارتفاعه من وجهين :
أحدهما : أن يكون مبتدأ ، ويكون قولك ساء مثلا خبره .
والثاني : أنك لما قلت ساء مثلا . قيل لك : من هو ؟ قلت القوم ، فيكون رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف . وقرأ
الجحدري : ساء مثل القوم .
البحث الثاني : ظاهر قوله :(
ساء مثلا ) يقتضي كون ذلك المثل موصوفا بالسوء ، وذلك غير جائز ؛ لأن هذا المثل ذكره الله تعالى ، فكيف يكون موصوفا بالسوء ، وأيضا فهو يفيد الزجر عن الكفر والدعوة إلى الإيمان ، فكيف يكون موصوفا بالسوء ، فوجب أن يكون الموصوف بالسوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله تعالى وإعراضهم عنها ، حتى صاروا في التمثيل بذلك بمنزلة الكلب اللاهث .
أما قوله تعالى :(
وأنفسهم كانوا يظلمون ) فإما أن يكون معطوفا على قوله : " كذبوا " فيدخل حينئذ في حيز الصلة بمعنى
الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم ، وإما أن يكون كلاما منقطعا عن الصلة بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب ، وأما تقديم المفعول فهو للاختصاص ، كأنه قيل وخصوا أنفسهم بالظلم وما تعدى أثر ذلك الظلم عنهم إلى غيرهم .