[ ص: 59 ] أما قوله تعالى :(
وذروا الذين يلحدون في أسمائه ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
حمزة " يلحدون " ووافقه
عاصم والكسائي في النحل . قال
الفراء : " يلحدون " ، " ويلحدون " لغتان : يقال : لحدت لحدا وألحدت ، قال أهل اللغة : معنى
الإلحاد في اللغة الميل عن القصد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت : الملحد العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه . يقال : قد ألحد في الدين ولحد ، وقال
أبو عمرو من أهل اللغة : الإلحاد : العدل عن الاستقامة والانحراف عنها . ومنه اللحد الذي يحفر في جانب القبر . قال
الواحدي رحمه الله : والأجود قراءة العامة لقوله تعالى :(
ومن يرد فيه بإلحاد ) والإلحاد أكثر في كلامهم لقولهم : ملحد ، ولا تكاد تسمع العرب يقولون لاحد .
المسألة الثانية : قال المحققون :
الإلحاد في أسماء الله يقع على ثلاثة أوجه :
الأول :
إطلاق أسماء الله المقدسة الطاهرة على غير الله ، مثل أن الكفار كانوا يسمون الأوثان بآلهة ، ومن ذلك أنهم سموا أصناما باللات والعزى والمناة ، واشتقاق اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، واشتقاق مناة من المنان . وكان
مسيلمة الكذاب لقب نفسه بالرحمن .
والثاني : أن
يسموا الله بما لا يجوز تسميته به ، مثل تسمية من سماه أبا
للمسيح . وقول جمهور النصارى : أب ، وابن ، وروح القدس ، ومثل أن
الكرامية يطلقون لفظ الجسم على الله سبحانه ويسمونه به ، ومثل أن
المعتزلة قد يقولون في أثناء كلامهم : لو فعل تعالى كذا وكذا لكان سفيها مستحقا للذم ، وهذه الألفاظ مشعرة بسوء الأدب . قال أصحابنا : وليس كل ما صح معناه جاز إطلاقه باللفظ في حق الله ، فإنه ثبت بالدليل أنه سبحانه هو الخالق لجميع الأجسام ، ثم لا يجوز أن يقال : يا خالق الديدان والقرود والقردان ، بل الواجب تنزيه الله عن مثل هذه الأذكار ، وأن يقال : يا خالق الأرض والسماوات يا مقيل العثرات يا راحم العبرات إلى غيرها من الأذكار الجميلة الشريفة .
والثالث : أن
يذكر العبد ربه بلفظ لا يعرف معناه ولا يتصور مسماه ، فإنه ربما كان مسماه أمرا غير لائق بجلال الله ، فهذه الأقسام الثلاثة هي الإلحاد في الأسماء .
فإن قال قائل : هل يلزم من ورود الأول في إطلاق لفظه على الله تعالى أن يطلق عليه سائر الألفاظ المشتقة منه على الإطلاق ؟
قلنا : الحق عندي أن ذلك غير لازم في حق الله تعالى ، ولا في حق الملائكة والأنبياء وتقريره : أن لفظ " علم " ورد في حق الله تعالى في آيات منها قوله :(
وعلم آدم الأسماء كلها ) [ البقرة : 31 ] ،(
وعلمك ما لم تكن تعلم ) [ النساء : 113 ] ،(
وعلمناه من لدنا علما ) [ الكهف : 65 ] ،(
الرحمن علم القرآن ) [ الرحمن : 1 ، 2 ] ، ثم لا يجوز أن يقال في حق الله تعالى يا معلم ، وأيضا ورد قوله :(
يحبهم ويحبونه ) [ المائدة : 54 ] ثم لا يجوز عندي أن يقال يا محب . وأما في حق الأنبياء ، فقد ورد في حق
آدم - عليه السلام - :(
وعصى آدم ربه فغوى ) [ طه : 121 ] ، ثم لا يجوز أن يقال إن
آدم كان عاصيا غاويا ، وورد في حق
موسى - عليه السلام -(
ياأبت استأجره ) [ القصص : 26 ] ثم لا يجوز أن يقال إنه - عليه السلام - كان أجيرا ، والضابط أن هذه الألفاظ الموهمة يجب الاقتصار فيها على الوارد ، فأما التوسع بإطلاق الألفاظ المشتقة منها فهي عندي ممنوعة غير جائزة .
ثم قال تعالى :(
سيجزون ما كانوا يعملون ) فهو تهديد ووعيد لمن
ألحد في أسماء الله . قالت
المعتزلة : الآية قد دلت على إثبات العمل للعبد ، وعلى أن الجزاء مفرع على عمله وفعله .