قوله تعالى :(
يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
اعلم أن في نظم الآية وجهين :
الأول : أنه تعالى لما تكلم في التوحيد والنبوة والقضاء والقدر أتبعه بالكلام في المعاد ، لما بينا أن المطالب الكلية في القرآن ليست إلا هذه الأربعة .
الثاني : أنه تعالى لما قال في الآية المتقدمة :(
وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ) باعثا بذلك عن المثابرة إلى التوبة والإصلاح قال بعده :(
يسألونك عن الساعة ) ليتحقق في القلوب أن
وقت الساعة مكتوم عن الخلق ، فيصير ذلك حاملا للمكلفين على
المسارعة إلى التوبة وأداء الواجبات ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في أن ذلك السائل من هو ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن قوما من
اليهود قالوا : يا
محمد ، أخبرنا متى تقوم الساعة فنزلت هذه الآية ، وقال
الحسن وقتادة : إن
قريشا قالوا : يا
محمد ، بيننا وبينك قرابة ،
[ ص: 66 ] فاذكر لنا متى الساعة ؟ .
المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" : الساعة من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة ، أو لأن حساب الخلق يقضى فيها في ساعة واحدة فسمي بالساعة لهذا السبب أو لأنها على طولها كساعة واحدة عند الخلق .
المسألة الثالثة : "أيان" معناه الاستفهام عن الوقت الذي يجيء ، وهو سؤال عن الزمان ، وحاصل الكلام أن أيان بمعنى متى ، وفي اشتقاقه قولان :
المشهور أنه مأخوذ من الأين وأنكره
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني وقال :(
أيان ) سؤال عن الزمان ، وأين سؤال عن المكان ، فكيف يكون أحدهما مأخوذا من الآخر .
والثاني : وهو الذي اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني أن اشتقاقه من أي فعلان منه ، لأن معناه أي وقت ، ولفظة أي فعل من أويت إليه ، لأن البعض آو إلى مكان الكل متساندا إليه هكذا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : وقرأ
السلمي "إيان" بكسر الهمز .
المسألة الرابعة : مرساها "المرسى" ههنا مصدر بمعنى الإرساء لقوله تعالى :(
بسم الله مجراها ومرساها ) [هود : 41] أي إجراؤها وإرساؤها ، والإرساء الإثبات يقال رسا يرسو إذا ثبت ، قال تعالى :(
والجبال أرساها ) [النازعات : 32] فكان الرسو ليس اسما لمطلق الثبات ، بل هو اسم لثبات الشيء إذا كان ثقيلا ومنه إرساء الجبل ، وإرساء السفينة ، ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة بدليل قوله :(
ثقلت في السماوات والأرض ) لا جرم سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالإرساء .