أما قوله :(
والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ) ففيه قولان :
القول الأول : أن المراد منه وصف الأصنام بهذه الصفات .
فإن قالوا : فهذه الأشياء قد صارت مذكورة في الآيات المتقدمة فما الفائدة في تكريرها ؟ فنقول : قال
الواحدي : إنما أعيد هذا المعنى لأن الأول مذكور على جهة التقريع وهذا مذكور على جهة الفرق بين من تجوز له العبادة وبين من لا تجوز ، كأنه قيل : الإله المعبود يجب أن يكون بحيث يتولى الصالحين ، وهذه الأصنام ليست كذلك فلا تكون صالحة للإلهية .
والقول الثاني : أن هذه الأحوال المذكورة صفات لهؤلاء المشركين الذين يدعون غير الله ، يعني أن الكفار كانوا يخوفون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال تعالى : إنهم لا يقدرون على شيء ، بل إنهم قد بلغوا في الجهل والحماقة إلى أنك لو دعوتهم وأظهرت أعظم أنواع الحجة والبرهان لم يسمعوا بعقولهم ذلك البتة .
فإن قيل : لم يتقدم ذكر المشركين وإنما تقدم ذكر الأصنام فكيف يصح ما ذكر ؟ .
قلنا : قد تقدم ذكرهم في قوله تعالى :(
قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون ) .
أما قوله تعالى :(
وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) فإن حملنا هذه الصفات على الأصنام قلنا : المراد من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجهها وجوه القوم من قولهم : جبلان متناظران أي متقابلان ، وإن حملناها على المشركين فالمعنى : أنهم وإن كانوا ينظرون إلى الناس إلا أنهم لشدة إعراضهم عن الحق لم ينتفعوا
[ ص: 78 ] بذلك النظر والرؤية ، فصاروا كأنهم عمي ، وهذه الآية تدل على أن النظر غير الرؤية ، لأنه تعالى أثبت النظر ونفى الرؤية ، وذلك يدل على التغاير ، وأجيب عن هذا الاستدلال فقيل : معناه تحسبهم أنهم ينظرون إليك مع أنهم في الحقيقة لا ينظرون ، أي تظن أنهم ينظرونك مع أنهم لا يبصرونك ، والرؤية بمعنى الحسبان واردة قال تعالى :(
وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) [الحج : 2] .