المسألة السابعة : لا شبهة في أن المراد بقوله :(
بعد عامهم هذا ) السنة التي حصل فيها النداء بالبراءة من المشركين ، وهي السنة التاسعة من الهجرة .
ثم قال تعالى :(
وإن خفتم عيلة ) والعيلة الفقر ، يقال : عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ، والمعنى : إن خفتم فقرا بسبب منع الكفار(
فسوف يغنيكم الله من فضله ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : ذكروا في تفسير هذا الفضل وجوها :
الأول : قال مقاتل : أسلم أهل
جدة وصنعاء وحنين ، وحملوا الطعام إلى
مكة وكفاهم الله الحاجة إلى مبايعة الكفار .
والثاني : قال
الحسن : جعل الله ما يوجد من الجزية بدلا من ذلك . وقيل : أغناهم بالفيء .
الثالث : قال
عكرمة : أنزل الله عليهم المطر ، وكثر خيرهم .
المسألة الثانية : قوله :(
فسوف يغنيكم الله من فضله ) إخبار عن غيب في المستقبل على سبيل الجزم في حادثة عظيمة ، وقد وقع الأمر مطابقا لذلك الخبر فكان معجزة .
ثم قال تعالى :(
إن شاء ) ولسائل أن يسأل فيقول : الغرض بهذا الخبر إزالة الخوف بالعيلة ، وهذا الشرط يمنع من إفادة هذا المقصود ، وجوابه من وجوه :
الأول : أن لا يحصل الاعتماد على حصول هذا المطلوب ، فيكون
الإنسان أبدا متضرعا إلى الله تعالى في طلب الخيرات ودفع الآفات .
الثاني : أن المقصود من ذكر هذا الشرط تعليم رعاية الأدب ، كما في قوله : (
لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) [الفتح : 27] .
الثالث : أن المقصود التنبيه على أن حصول هذا المعنى لا يكون في كل الأوقات وفي جميع الأمور ؛ لأن
إبراهيم عليه السلام قال في دعائه :(
وارزق أهله من الثمرات ) [البقرة : 126] وكلمة "من" تفيد التبعيض ، فقوله تعالى في هذه الآية :(
إن شاء ) المراد منه ذلك التبعيض .
[ ص: 23 ] ثم قال :(
إن الله عليم حكيم ) أي : عليم بأحوالكم ، وحكيم لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة وصواب ، والله أعلم .