1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة التوبة
  4. قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض
صفحة جزء
ثم قال تعالى :( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ) والمعنى كأنه قيل : قد ذكرنا الموجبات الكثيرة الداعية إلى القتال ، وقد شرحنا المنافع العظيمة التي تحصل عند القتال ، وبينا أنواع فضائحهم وقبائحهم التي تحمل العاقل على مقاتلتهم ، فتركتم جميع هذه الأمور ، أليس أن معبودكم يأمركم بمقاتلتهم ، وتعلمون أن طاعة المعبود توجب الثواب العظيم في الآخرة ؟ فهل يليق بالعاقل ترك الثواب العظيم في الآخرة ، لأجل المنفعة اليسيرة الحاصلة في الدنيا ؟ والدليل على أن متاع الدنيا في الآخرة قليل أن لذات الدنيا خسيسة في أنفسها ومشوبة بالآفات والبليات ، ومنقطعة عن قريب لا محالة ، ومنافع [ ص: 49 ] الآخرة شريفة عالية خالصة عن كل الآفات ، ودائمة أبدية سرمدية ، وذلك يوجب القطع بأن متاع الدنيا قليل حقير خسيس .

المسألة الرابعة : اعلم أن هذه الآية تدل على وجوب الجهاد في كل حال ، لأنه تعالى نص على أن تثاقلهم عن الجهاد أمر منكر ، ولو لم يكن الجهاد واجبا لما كان هذا التثاقل منكرا ، وليس لقائل أن يقول : الجهاد إنما يجب في الوقت الذي يخاف هجوم الكفار فيه ؛ لأنه عليه السلام ما كان يخاف هجوم الروم عليه ، ومع ذلك فقد أوجب الجهاد معهم ، ومنافع الجهاد مستقصاة في سورة آل عمران ، وأيضا هو واجب على الكفاية ، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين .

المسألة الخامسة : لقائل أن يقول : إن قوله :( ياأيها الذين آمنوا ) خطاب مع كل المؤمنين .

ثم قال :( ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) وهذا يدل على أن كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف ، وذلك التثاقل معصية ، وهذا يدل على إطباق كل الأمة على المعصية ، وذلك يقدح في أن إجماع الأمة حجة .

الجواب : أن خطاب الكل لإرادة البعض مجاز مشهور في القرآن ، وفي سائر أنواع الكلام كقوله :


إياك أعني واسمعي يا جارة



التالي السابق


الخدمات العلمية