(
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )
قوله تعالى :(
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير )
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما رغبهم في الآية الأولى في الجهاد بناء على الترغيب في ثواب الآخرة ، رغبهم في هذه الآية في الجهاد بناء على أنواع أخر من الأمور المقوية للدواعي ، وهي ثلاثة أنواع :
الأول : قوله تعالى :(
يعذبكم عذابا أليما ) .
واعلم أنه يحتمل أن يكون المراد منه عذاب الدنيا ، وأن يكون المراد منه عذاب الآخرة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012802استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فتثاقلوا ، فأمسك الله عنهم المطر ، وقال
الحسن : الله أعلم بالعذاب الذي كان ينزل عليهم ، وقيل : المراد منه عذاب الآخرة ، إذ الأليم لا يليق إلا به ، وقيل : إنه تهديد بكل الأقسام ، وهي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، وقطع منافع الدنيا ومنافع الآخرة .
الثاني : قوله :(
ويستبدل قوما غيركم ) والمراد تنبيههم على
أنه تعالى متكفل بنصره على أعدائه ، فإن سارعوا معه إلى الخروج حصلت النصرة بهم ، وإن تخلفوا وقعت النصرة بغيرهم ، وحصل العتبى لهم ؛ لئلا يتوهموا أن غلبة أعداء الدين وعز الإسلام لا يحصل إلا بهم ، وليس في النص دلالة على أن ذلك المعنى منهم ، ونظيره قوله تعالى :
[ ص: 50 ] (
ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) [المائدة : 54] .
ثم اختلف المفسرون ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هم التابعون ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : هم أبناء
فارس ، وقال
أبو روق : هم
أهل اليمن ، وهذه الوجوه ليست تفسيرا للآية ؛ لأن الآية ليس فيها إشعار بها ، بل حمل ذلك الكلام المطلق على صورة معينة شاهدوها ، قال
الأصم : معناه أن يخرجه من بين أظهركم ، وهي
المدينة ، قال القاضي : هذا ضعيف ؛ لأن اللفظ لا دلالة فيه على أنه عليه السلام ينقل من
المدينة إلى غيرها ، فلا يمتنع أن يظهر الله في
المدينة أقواما يعينونه على الغزو ، ولا يمتنع أن يعينه بأقوام من الملائكة أيضا حال كونه هناك .
والثالث : قوله :(
ولا تضروه شيئا ) والكناية في قول
الحسن : راجعة إلى الله تعالى ، أي : لا تضروا الله ؛ لأنه غني عن العالمين ، وفي قول الباقين يعود إلى الرسول ، أي : لا تضروا الرسول ؛ لأن الله عصمه من الناس ، ولأنه تعالى لا يخذله إن تثاقلتم عنه .
ثم قال :(
والله على كل شيء قدير ) وهو تنبيه على شدة الزجر من حيث إنه تعالى قادر لا يجوز عليه العجز ، فإذا توعد بالعقاب فعل .