المسألة الثانية : من الناس من قال : إن
الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان يحكم بمقتضى الاجتهاد في بعض الوقائع ، واحتج عليه بأن قوله :(
فاعتبروا ياأولي الأبصار ) [الحشر : 2] أمر لأولي الأبصار بالاعتبار والاجتهاد ، والرسول كان سيدا لهم ، فكان داخلا تحت هذا الأمر ، ثم أكدوا ذلك بهذه الآية فقالوا : إما أن يقال إنه تعالى أذن له في ذلك الإذن أو منعه عنه ، أو ما أذن له فيه ، وما منعه عنه والأول باطل ، وإلا امتنع أن يقول له : لم أذنت لهم ، والثاني باطل أيضا ؛ لأن على هذا التقدير يلزم أن يقال : إنه حكم بغير ما أنزل الله فيلزم دخوله تحت قوله :(
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [المائدة : 44] و(
أولئك هم الظالمون ) [المائدة : 45](
وأولئك هم الفاسقون ) [المائدة : 47] وذلك باطل بصريح القول ، فلم يبق إلا القسم الثالث ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام أذن في تلك الواقعة من تلقاء نفسه ، فإما أن يكون ذلك مبنيا على الاجتهاد أو ما كان كذلك ، والثاني باطل ؛ لأنه حكم بمجرد التشهي وهو باطل لقوله تعالى :(
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) [مريم : 59] فلم يبق إلا أنه عليه الصلاة والسلام أذن في تلك الواقعة ، بناء على الاجتهاد ، وذلك يدل على أنه عليه الصلاة والسلام ، كان يحكم بمقتضى الاجتهاد .
فإن قيل : فهذا بأن يدل على أنه لا يجوز له الحكم بالاجتهاد أولى ؛ لأنه تعالى منعه من هذا الحكم بقوله :(
لم أذنت لهم ) .
قلنا : إنه تعالى ما منعه من ذلك الإذن مطلقا ؛ لأنه قال :(
حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) والحكم الممدود إلى غاية بكلمة حتى يجب انتهاؤه عند حصول تلك الغاية ، فهذا يدل على صحة قولنا .
فإن قالوا : فلم لا يجوز أن يكون المراد من ذلك التبين هو التبين بطريق الوحي ؟
قلنا : ما ذكرتموه محتمل إلا أن على التقدير الذي ذكرتم يصير تكليفه أن لا يحكم البتة ، وأن يصبر حتى ينزل الوحي ويظهر النص ، فلما ترك ذلك ، كان ذلك كبيرة ، وعلى التقدير الذي ذكرنا كان ذلك الخطأ خطأ واقعا في الاجتهاد ، فدخل تحت قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012812ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " فكان حمل الكلام عليه أولى .