[ ص: 70 ] (
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ) .
قوله تعالى :(
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ) .
اعلم أن هذا هو الجواب الثاني عن
فرح المنافقين بمصائب المؤمنين ، وذلك لأن المسلم إذا ذهب إلى الغزو ، فإن صار مغلوبا مقتولا فاز بالاسم الحسن في الدنيا ، والثواب العظيم الذي أعده الله للشهداء في الآخرة ، وإن صار غالبا فاز في الدنيا بالمال الحلال والاسم الجميل ، وهي الرجولية والشوكة والقوة ، وفي الآخرة بالثواب العظيم . وأما المنافق إذا قعد في بيته فهو في الحال قعد في بيته مذموما ، منسوبا إلى الجبن والفشل وضعف القلب والقناعة بالأمور الخسيسة من الدنيا ، على وجه يشاركه فيها النسوان والصبيان والعاجزون من النساء ، ثم يكونون أبدا خائفين على أنفسهم وأولادهم وأموالهم ، وفي الآخرة إن ماتوا فقد انتقلوا إلى العذاب الدائم في القيامة ، وإن أذن الله في قتلهم وقعوا في القتل والأسر والنهب ، وانتقلوا من الدنيا إلى عذاب النار ، فالمنافق لا يتربص بالمؤمن إلا إحدى الحالتين المذكورتين ، وكل واحدة منهما في غاية الجلالة والرفعة والشرف ، والمسلم يتربص بالمنافق إحدى الحالتين المذكورتين ، أعني البقاء في الدنيا مع الخزي والذل والهوان ، ثم الانتقال إلى عذاب القيامة ، والوقوع في القتل والنهب مع الخزي والذل ، وكل واحدة من هاتين الحالتين في غاية الخساسة والدناءة ، ثم قال تعالى للمنافقين :(
فتربصوا ) بنا إحدى الحالتين الشريفتين(
إنا معكم متربصون ) وقوعكم في إحدى الحالتين الخسيستين النازلتين .
قال
الواحدي : يقال : فلان يتربص بفلان الدوائر ، إذا كان ينتظر وقوع مكروه به ، وهذا قد سبق الكلام فيه . وقال أهل المعاني : التربص : التمسك بما ينتظر به مجيء حينه ؛ ولذلك قيل : فلان يتربص بالطعام إذا تمسك به إلى حين زيادة سعره . والحسنى : تأنيث الأحسن . واختلفوا في تفسير قوله :(
بعذاب من عنده أو بأيدينا ) قيل : من عند الله ، أي : بعذاب ينزله الله عليهم في الدنيا ، أو بأيدينا بأن يأذن لنا في قتلكم . وقيل : بعذاب من عند الله يتناول عذاب الدنيا والآخرة ، أو بأيدينا القتل .
فإن قيل : إذا كانوا منافقين لا يحل قتلهم مع إظهارهم الإيمان ، فكيف يقول تعالى ذلك ؟
قلنا : قال
الحسن : المراد بأيدينا إن ظهر نفاقكم ؛ لأن نفاقهم إذا ظهر كانوا كسائر المشركين في كونهم حربا للمؤمنين . وقوله :(
فتربصوا ) وإن كان بصيغة الأمر ، إلا أن المراد منه التهديد ، كما في قوله :(
ذق إنك أنت العزيز الكريم ) [ الدخان : 49 ] . والله أعلم .